تركيا بلد الزلازل، إذ لم يقتصر الأمر على الجغرافيا بل تجاوزها الى كل المجالات، فزلزالها الأكبر كان بانهيار الإمبراطورية العثمانية الرحم الذي ولدت منه الأمة التركية وما تلتها من عواصف زلزالية تجلت بالإطاحة بالخلافة وحكم آل عثمان ذي المبادئ الإسلامية وعلى أنقاضها قامت الجمهورية العلمانية، تلاها زلزال اجتماعي ولغوي وذلك عندما قرر اتاتورك نسف عُرى التواصل مع الماضي العثماني وشدّ أواصر العلاقة مع الغرب، فقام بإلغاء الزي الشرقي وكذلك الحرف العربي لمصلحة اللباس الأوروبي والحرف اللاتيني ملحقاً تركيا بالحضارة الغربية قاطعاً كل العلاقات مع الشرق بأديانه ولغاته وثقافته، ومنذ ذلك الحين والزلازل وهزاتها الارتدادية هي الشغل الشاغل لتركيا والمنطقة.
رجب طيب أردوغان جاء من رحم تلك البيئة المنقطعة الأوصال عن ماضيها والمغتربة ثقافياً حيث رسمت ملامح صعوده ونشأته المدارس الإسلامية وثقافة الحواري الملتزمة قيمياً، وهو يعتبر نتاج الأربكانية السياسية وزعيمها نجم الدين أربكان مبتدئاً معه بحزب الخلاص الوطني ومن ثم حزب الرفاه الإسلامي، ومن خلاله وصل الى رئاسة بلدية اسطنبول في العام 1994 وفيها تجلت مواهبه القيادية فنقل اسطنبول من حال الى حال، الى أن ألقت به اربعة أبيات من الشعر في غياهب السجن لمدة اربعة أشهر كانت سبباً في ميلاد قائد وحزب، إذ فك رباطه مع معلمه التاريخي أربكان وقرر إنشاء حزب العدالة والتنمية برؤية أكثر براغماتية للعلمانية والدين فجمع بينهما بطريقة أذهلت خصومه، ولأنه تمرس المراوغة من عشقه لكرة القدم فقد تمكن من استثمار كل الظروف لمصلحة حزبه وشخصه، فاستثمر نجاحاته في بلدية إسطنبول وإرث أربكان وموجة الغضب الناجمة عن إخفاق حكومة بولند أجاويد في التعامل مع زلزال 1999 الذي راح ضحيته 17000 انسان وعلى أنقاض تلك الحكومة وصل الى السلطة في العام 2002.
منذ ذلك الوقت لم يخسر أردوغان ولا حزبه أي انتخابات شعبية فقد استطاع دوماً هزيمة خصومه مستغلاً كل الظروف المتاحة أمامه، حتى حينما اسُخدمت ضده القوة الصلبة (انقلاب 15 يوليو 2016) تمكن من قلب الطاولة على رأس كل خصومه حيث أبادهم عن بكرة أبيهم بدون أن يرف له جفن، للدرجة التي اتهمه خصومه بأنه هو من دبر هذا الانقلاب للوصول إلى هذه الغاية، وخلال صعوده تمكن من إدخال تركيا إلى مجال المنافسة الدولية في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعسكرية، فالأمة التركية أصبحت حاضرة ويحسب لها ألف حساب، لكن الأحوال لا يمكن لها أن تستمر على نفس النسق، إذ شهدت الدولة تراجعاً اقتصادياً قاسياً في السنتين الأخيرتين رفع نسبة التضخم وأرهق القطاعات الاجتماعية كافة وزاد نسبة الفقر والبطالة وزاد معه التململ والغضب الاجتماعي، وبدأت إرهاصاتها تظهر جلياً على شكل مظاهرات واحتجاجات شعبية.
ومما زاد الطين بلة حدوث زلزال في جنوب البلاد بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر كان بمثابة الصاعقة السياسية قبيل ثلاثة أشهر من الانتخابات، وهذه الكارثة لم تؤد الى دفن الأحياء والأموات تحت الأنقاض فقط، بل دفن كل الوعود بالحكم الرشيد ومثلها الوعود ببلد خالٍ من الفساد، ونسف فكرة أن الدولة تستجيب لاحتياجات شعبها بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، فنتائج الكارثة تناسبت طرداً مع أمرين اثنين، الأول شدة الزلزال وثانياً نسبة الفساد فقد انهارت جميع المباني التي لم تطبق عليها شروط الزلازل، ومنذ اللحظة الأولى بدأت المعارضة برصد إخفاقات الحكومة واستثمارها فلديها عشرات آلاف القتلى ومثلها من المنازل المهدمة ولديها قائمة طويلة من البلديات المعارضة التي لم يتواصل معها أردوغان، ولديها اتهامات بالفساد والعلاقة الزبائنية بين حزب العدالة تُقدم بموجبها المشاريع والتساهل بالقوانين مقابل التصويت والدعم الانتخابي.
لم تضيع المعارضة التي تبدو موحدة فرصتها المتاحة بإعداد قائمتها الطويلة من الاتهامات لأردوغان، فهي لن تدخر جهداً للإطاحة بهذا الرجل الذي تمرس هزيمة خصومه ولم يذق ولو لمرة واحدة طعم الخسارة، لكن لا بد من الاعتراف بأن هذه الجولة ليست كغيرها من الجولات، بالذات أن الوقت أقصر بكثير من أن يسعفه لاستدراك نتائج الزلزال، فقد تفشل محاولته تأجيل الانتخابات لأن النص الدستوري يشكل عقبة كأداء أمام رغبته هذه، فالمادة 78 لا تجيز تأجيل الانتخابات إلا في حالة الحرب فقط.
إذاً المواجهة المصيرية قادمة لا محال بين رجل تمكن من وصل حاضر تركيا بماضيها وهو بذلك أنتج هوية قومية منسجمة مع ذاتها ومتصالحة مع إرثها، رجل تمكن من وضع بلده على الخريطة الجيوسياسية العالمية كفاعل لا يمكن القفز عنه، وهو هنا في مواجهة خصوم تلقفوا كل أخطائه وعثراته واستطاعوا أن يتوحدوا عليها في مجابهته بالذات أنهم يتسلحون بدعم خارجي من كل كارهي أردوغان وهم كُثر، فهل يستطيعون هزيمته؟ لا أحد يمكنه الجزم لكن أردوغان وهو الذي يشبه الشارع التركي في كل شيء عودنا أنه يمتلك مقدرة على المراوغة تمكنه دوماً من الإفلات من أعتى الخصوم وفي أصعب الظروف، فما بين زلزال أزميد 1999 وزلزال قهرمان مرعش 2023 حدثت هزات كثيرة وفاضت مياه كثيرة من تحت أقدام كافة الفرقاء، لكن أردوغان ما يزال قادراً على البقاء رغم فائض الأعداء وشح الأصدقاء.
د. منذر الحوارات
تركيا بلد الزلازل، إذ لم يقتصر الأمر على الجغرافيا بل تجاوزها الى كل المجالات، فزلزالها الأكبر كان بانهيار الإمبراطورية العثمانية الرحم الذي ولدت منه الأمة التركية وما تلتها من عواصف زلزالية تجلت بالإطاحة بالخلافة وحكم آل عثمان ذي المبادئ الإسلامية وعلى أنقاضها قامت الجمهورية العلمانية، تلاها زلزال اجتماعي ولغوي وذلك عندما قرر اتاتورك نسف عُرى التواصل مع الماضي العثماني وشدّ أواصر العلاقة مع الغرب، فقام بإلغاء الزي الشرقي وكذلك الحرف العربي لمصلحة اللباس الأوروبي والحرف اللاتيني ملحقاً تركيا بالحضارة الغربية قاطعاً كل العلاقات مع الشرق بأديانه ولغاته وثقافته، ومنذ ذلك الحين والزلازل وهزاتها الارتدادية هي الشغل الشاغل لتركيا والمنطقة.
رجب طيب أردوغان جاء من رحم تلك البيئة المنقطعة الأوصال عن ماضيها والمغتربة ثقافياً حيث رسمت ملامح صعوده ونشأته المدارس الإسلامية وثقافة الحواري الملتزمة قيمياً، وهو يعتبر نتاج الأربكانية السياسية وزعيمها نجم الدين أربكان مبتدئاً معه بحزب الخلاص الوطني ومن ثم حزب الرفاه الإسلامي، ومن خلاله وصل الى رئاسة بلدية اسطنبول في العام 1994 وفيها تجلت مواهبه القيادية فنقل اسطنبول من حال الى حال، الى أن ألقت به اربعة أبيات من الشعر في غياهب السجن لمدة اربعة أشهر كانت سبباً في ميلاد قائد وحزب، إذ فك رباطه مع معلمه التاريخي أربكان وقرر إنشاء حزب العدالة والتنمية برؤية أكثر براغماتية للعلمانية والدين فجمع بينهما بطريقة أذهلت خصومه، ولأنه تمرس المراوغة من عشقه لكرة القدم فقد تمكن من استثمار كل الظروف لمصلحة حزبه وشخصه، فاستثمر نجاحاته في بلدية إسطنبول وإرث أربكان وموجة الغضب الناجمة عن إخفاق حكومة بولند أجاويد في التعامل مع زلزال 1999 الذي راح ضحيته 17000 انسان وعلى أنقاض تلك الحكومة وصل الى السلطة في العام 2002.
منذ ذلك الوقت لم يخسر أردوغان ولا حزبه أي انتخابات شعبية فقد استطاع دوماً هزيمة خصومه مستغلاً كل الظروف المتاحة أمامه، حتى حينما اسُخدمت ضده القوة الصلبة (انقلاب 15 يوليو 2016) تمكن من قلب الطاولة على رأس كل خصومه حيث أبادهم عن بكرة أبيهم بدون أن يرف له جفن، للدرجة التي اتهمه خصومه بأنه هو من دبر هذا الانقلاب للوصول إلى هذه الغاية، وخلال صعوده تمكن من إدخال تركيا إلى مجال المنافسة الدولية في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعسكرية، فالأمة التركية أصبحت حاضرة ويحسب لها ألف حساب، لكن الأحوال لا يمكن لها أن تستمر على نفس النسق، إذ شهدت الدولة تراجعاً اقتصادياً قاسياً في السنتين الأخيرتين رفع نسبة التضخم وأرهق القطاعات الاجتماعية كافة وزاد نسبة الفقر والبطالة وزاد معه التململ والغضب الاجتماعي، وبدأت إرهاصاتها تظهر جلياً على شكل مظاهرات واحتجاجات شعبية.
ومما زاد الطين بلة حدوث زلزال في جنوب البلاد بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر كان بمثابة الصاعقة السياسية قبيل ثلاثة أشهر من الانتخابات، وهذه الكارثة لم تؤد الى دفن الأحياء والأموات تحت الأنقاض فقط، بل دفن كل الوعود بالحكم الرشيد ومثلها الوعود ببلد خالٍ من الفساد، ونسف فكرة أن الدولة تستجيب لاحتياجات شعبها بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، فنتائج الكارثة تناسبت طرداً مع أمرين اثنين، الأول شدة الزلزال وثانياً نسبة الفساد فقد انهارت جميع المباني التي لم تطبق عليها شروط الزلازل، ومنذ اللحظة الأولى بدأت المعارضة برصد إخفاقات الحكومة واستثمارها فلديها عشرات آلاف القتلى ومثلها من المنازل المهدمة ولديها قائمة طويلة من البلديات المعارضة التي لم يتواصل معها أردوغان، ولديها اتهامات بالفساد والعلاقة الزبائنية بين حزب العدالة تُقدم بموجبها المشاريع والتساهل بالقوانين مقابل التصويت والدعم الانتخابي.
لم تضيع المعارضة التي تبدو موحدة فرصتها المتاحة بإعداد قائمتها الطويلة من الاتهامات لأردوغان، فهي لن تدخر جهداً للإطاحة بهذا الرجل الذي تمرس هزيمة خصومه ولم يذق ولو لمرة واحدة طعم الخسارة، لكن لا بد من الاعتراف بأن هذه الجولة ليست كغيرها من الجولات، بالذات أن الوقت أقصر بكثير من أن يسعفه لاستدراك نتائج الزلزال، فقد تفشل محاولته تأجيل الانتخابات لأن النص الدستوري يشكل عقبة كأداء أمام رغبته هذه، فالمادة 78 لا تجيز تأجيل الانتخابات إلا في حالة الحرب فقط.
إذاً المواجهة المصيرية قادمة لا محال بين رجل تمكن من وصل حاضر تركيا بماضيها وهو بذلك أنتج هوية قومية منسجمة مع ذاتها ومتصالحة مع إرثها، رجل تمكن من وضع بلده على الخريطة الجيوسياسية العالمية كفاعل لا يمكن القفز عنه، وهو هنا في مواجهة خصوم تلقفوا كل أخطائه وعثراته واستطاعوا أن يتوحدوا عليها في مجابهته بالذات أنهم يتسلحون بدعم خارجي من كل كارهي أردوغان وهم كُثر، فهل يستطيعون هزيمته؟ لا أحد يمكنه الجزم لكن أردوغان وهو الذي يشبه الشارع التركي في كل شيء عودنا أنه يمتلك مقدرة على المراوغة تمكنه دوماً من الإفلات من أعتى الخصوم وفي أصعب الظروف، فما بين زلزال أزميد 1999 وزلزال قهرمان مرعش 2023 حدثت هزات كثيرة وفاضت مياه كثيرة من تحت أقدام كافة الفرقاء، لكن أردوغان ما يزال قادراً على البقاء رغم فائض الأعداء وشح الأصدقاء.
د. منذر الحوارات
تركيا بلد الزلازل، إذ لم يقتصر الأمر على الجغرافيا بل تجاوزها الى كل المجالات، فزلزالها الأكبر كان بانهيار الإمبراطورية العثمانية الرحم الذي ولدت منه الأمة التركية وما تلتها من عواصف زلزالية تجلت بالإطاحة بالخلافة وحكم آل عثمان ذي المبادئ الإسلامية وعلى أنقاضها قامت الجمهورية العلمانية، تلاها زلزال اجتماعي ولغوي وذلك عندما قرر اتاتورك نسف عُرى التواصل مع الماضي العثماني وشدّ أواصر العلاقة مع الغرب، فقام بإلغاء الزي الشرقي وكذلك الحرف العربي لمصلحة اللباس الأوروبي والحرف اللاتيني ملحقاً تركيا بالحضارة الغربية قاطعاً كل العلاقات مع الشرق بأديانه ولغاته وثقافته، ومنذ ذلك الحين والزلازل وهزاتها الارتدادية هي الشغل الشاغل لتركيا والمنطقة.
رجب طيب أردوغان جاء من رحم تلك البيئة المنقطعة الأوصال عن ماضيها والمغتربة ثقافياً حيث رسمت ملامح صعوده ونشأته المدارس الإسلامية وثقافة الحواري الملتزمة قيمياً، وهو يعتبر نتاج الأربكانية السياسية وزعيمها نجم الدين أربكان مبتدئاً معه بحزب الخلاص الوطني ومن ثم حزب الرفاه الإسلامي، ومن خلاله وصل الى رئاسة بلدية اسطنبول في العام 1994 وفيها تجلت مواهبه القيادية فنقل اسطنبول من حال الى حال، الى أن ألقت به اربعة أبيات من الشعر في غياهب السجن لمدة اربعة أشهر كانت سبباً في ميلاد قائد وحزب، إذ فك رباطه مع معلمه التاريخي أربكان وقرر إنشاء حزب العدالة والتنمية برؤية أكثر براغماتية للعلمانية والدين فجمع بينهما بطريقة أذهلت خصومه، ولأنه تمرس المراوغة من عشقه لكرة القدم فقد تمكن من استثمار كل الظروف لمصلحة حزبه وشخصه، فاستثمر نجاحاته في بلدية إسطنبول وإرث أربكان وموجة الغضب الناجمة عن إخفاق حكومة بولند أجاويد في التعامل مع زلزال 1999 الذي راح ضحيته 17000 انسان وعلى أنقاض تلك الحكومة وصل الى السلطة في العام 2002.
منذ ذلك الوقت لم يخسر أردوغان ولا حزبه أي انتخابات شعبية فقد استطاع دوماً هزيمة خصومه مستغلاً كل الظروف المتاحة أمامه، حتى حينما اسُخدمت ضده القوة الصلبة (انقلاب 15 يوليو 2016) تمكن من قلب الطاولة على رأس كل خصومه حيث أبادهم عن بكرة أبيهم بدون أن يرف له جفن، للدرجة التي اتهمه خصومه بأنه هو من دبر هذا الانقلاب للوصول إلى هذه الغاية، وخلال صعوده تمكن من إدخال تركيا إلى مجال المنافسة الدولية في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعسكرية، فالأمة التركية أصبحت حاضرة ويحسب لها ألف حساب، لكن الأحوال لا يمكن لها أن تستمر على نفس النسق، إذ شهدت الدولة تراجعاً اقتصادياً قاسياً في السنتين الأخيرتين رفع نسبة التضخم وأرهق القطاعات الاجتماعية كافة وزاد نسبة الفقر والبطالة وزاد معه التململ والغضب الاجتماعي، وبدأت إرهاصاتها تظهر جلياً على شكل مظاهرات واحتجاجات شعبية.
ومما زاد الطين بلة حدوث زلزال في جنوب البلاد بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر كان بمثابة الصاعقة السياسية قبيل ثلاثة أشهر من الانتخابات، وهذه الكارثة لم تؤد الى دفن الأحياء والأموات تحت الأنقاض فقط، بل دفن كل الوعود بالحكم الرشيد ومثلها الوعود ببلد خالٍ من الفساد، ونسف فكرة أن الدولة تستجيب لاحتياجات شعبها بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، فنتائج الكارثة تناسبت طرداً مع أمرين اثنين، الأول شدة الزلزال وثانياً نسبة الفساد فقد انهارت جميع المباني التي لم تطبق عليها شروط الزلازل، ومنذ اللحظة الأولى بدأت المعارضة برصد إخفاقات الحكومة واستثمارها فلديها عشرات آلاف القتلى ومثلها من المنازل المهدمة ولديها قائمة طويلة من البلديات المعارضة التي لم يتواصل معها أردوغان، ولديها اتهامات بالفساد والعلاقة الزبائنية بين حزب العدالة تُقدم بموجبها المشاريع والتساهل بالقوانين مقابل التصويت والدعم الانتخابي.
لم تضيع المعارضة التي تبدو موحدة فرصتها المتاحة بإعداد قائمتها الطويلة من الاتهامات لأردوغان، فهي لن تدخر جهداً للإطاحة بهذا الرجل الذي تمرس هزيمة خصومه ولم يذق ولو لمرة واحدة طعم الخسارة، لكن لا بد من الاعتراف بأن هذه الجولة ليست كغيرها من الجولات، بالذات أن الوقت أقصر بكثير من أن يسعفه لاستدراك نتائج الزلزال، فقد تفشل محاولته تأجيل الانتخابات لأن النص الدستوري يشكل عقبة كأداء أمام رغبته هذه، فالمادة 78 لا تجيز تأجيل الانتخابات إلا في حالة الحرب فقط.
إذاً المواجهة المصيرية قادمة لا محال بين رجل تمكن من وصل حاضر تركيا بماضيها وهو بذلك أنتج هوية قومية منسجمة مع ذاتها ومتصالحة مع إرثها، رجل تمكن من وضع بلده على الخريطة الجيوسياسية العالمية كفاعل لا يمكن القفز عنه، وهو هنا في مواجهة خصوم تلقفوا كل أخطائه وعثراته واستطاعوا أن يتوحدوا عليها في مجابهته بالذات أنهم يتسلحون بدعم خارجي من كل كارهي أردوغان وهم كُثر، فهل يستطيعون هزيمته؟ لا أحد يمكنه الجزم لكن أردوغان وهو الذي يشبه الشارع التركي في كل شيء عودنا أنه يمتلك مقدرة على المراوغة تمكنه دوماً من الإفلات من أعتى الخصوم وفي أصعب الظروف، فما بين زلزال أزميد 1999 وزلزال قهرمان مرعش 2023 حدثت هزات كثيرة وفاضت مياه كثيرة من تحت أقدام كافة الفرقاء، لكن أردوغان ما يزال قادراً على البقاء رغم فائض الأعداء وشح الأصدقاء.
التعليقات