عامر طهبوب عندما يشيخ المرء، يُكثِر الحديث عن الماضي، بل لعلّه لا يذكر من الحاضر شيئاً، وهكذا الأمم، تشيخ، ولا تجد ما تتحدث عنه في حاضرها سوى ماضيها، وهذه أمتي.
هل تعتقدون أن الماضي كان أجمل. هل الأسود والأبيض أكثر بهجة من الألوان. أم أن الحاضر الذي اختلطت فيه ألوان الطيف بشكل أفزع العين، هو ما حمّل الماضي فوق جماله، جمالاً واختيالا، وألبسه عباءة بيضاء خالية من الثقوب والعيوب.
الماضي أجمل لأن حاضر الأمة بشع. لأنها تعيش حالة نكوص غير مسبوقة في تاريخها التليد. أصبحنا نحنُّ إلى زمن عبد الحميد، يوم رفض الانصياع إلى ضغوطات اليهود. تراجع كل شيء في حياتنا. في السياسة، وفي الكياسة. وفي العلم، والمعرفة، والأدب، والفكر، والثقافة، والذائقة، وفي الحب، وقصص العشق والغرام، وفي الوعي والإدراك، وفي البساطة وسهولة العيش. نحنُّ إلى إبرة «البابور»، و»البابور».
إلى صوبة علاء الدين. إلى «تنكة مصدية» نشعل فيها الحطب، ونتلمس حولها الدفء في جانب من جنبات الحي. نحنُّ إلى «قلاية البندورة»، و»راس بصل» من فم الأرض، بل نحنُّ إلى الأرض ومفارشها.
آه، بل آخ. من منا لا يحن إلى الأندلس، وقصص بناء الحمراء، وزمن بن زياد، وبن تاشفين، وبن مالك، والزهراء، وقصص ولادة، والمعتصم، وزمن استغاثات تلامس النخوة والأذن معاً.
نحنُّ إلى زمن الحب، وشعراء الغزل، إلى الأعشى، وقيس، وليلى، وجميل، وبثينة، وبشار، وابن زيدون، وربما نزار، كما نحنُّ إلى عرار، ووادي اليابس، ووادي الشتا، ووادي السير، ونحن نردد: «ليت الوقوف بوادي السير إجباري، وليت جارك يا وادي الشتا جاري».
هذه أمة تعيش حالة «توهان» فريدة عجيبة غريبة. تتوه في شباط، كما في نيسان. أمة فقدت البوصلة. غابت أعمدتها الفقرية. تكوّر جسدها. ضاعت روحها. رحل زعيم القدود الحلبية وهو يرى وطنه يصارع الحياة. راحت أم كلثوم. عزاؤنا أنها لم تمت كلها. بقي صوتها، ونردد: «ثوار، ثوار، على طول المدى ثوار». رحل نصري، وأخذ معه أحلامه بأن يعلّي الدار، وأن يرعاها صهيل الخيل، وتضيئها سيوف العز، وسترحل فيروز بعد عمر طويل، ليرحل معها الكائن الوحيد الذي لم يختلف عليه اللبنانيون. ورحلت صباح قبل أن ترسل رسالة في «البوسطة» لحضرة «الأسطة». وغاب عبد الحليم، وفريد، وسعاد محمد، وغيرهم كثير.
رحلت سعاد حسني، وعادل خيري، وصلاح منصور، وفؤاد المهندس، وحسين رياض، وعمر الشريف، وجميل راتب، وعبد الله غيث، ومحمود مرسي، وغيرهم كثير، لكن السينما المصرية لم تنجب بديلاً لأي من هؤلاء الراحلين.
أقول أن كل شيء تراجع. لم يأت صوت يشبه صوت المقريء محمد رفعت إلا صوت المقريء محمد رشاد الشريف، ولكنهما رحلا. ما زلنا نحنُّ ونستمع بخشوع إلى صوت الحصري، وعبد الباسط، ومصطفى إسماعيل، وأبو العينين شعيشع، والمنشاوي، وغيرهم من الأصوات العذبة التي تدعو إلى الخشوع والتأمل، والبكاء أحياناً، ولكن من نعم الله علينا، أن هؤلاء لم يموتوا كلهم. بقيت أصواتهم.
نحنُّ إلى الماضي. لا يوجد ما نتغنى به في حاضرنا. نحن إلى الحكيم، ونجيب، وعبد القدوس، وكشجرة لبلاب محمد عبد الحليم عبد الله، نلتف حول طه حسين، والعقاد، والمازني، وجبران، وزمن صلاح جاهين، ونحن ننشد: «البنات، البنات، ألطف الكائنات». الأبنودي، والشيخ إمام. أحمد فؤاد نجم زمن أبو القاسم الشابي: إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر».
إننا نحتمي بالماضي، نلتجيء إليه. نشهر سيوفه بعد أن تثلمت نصالناتبعثرت كلماتنا. تعثرت خطواتنا. وأصابتنا الهشاشة. نستعيد أمل دنقل: لا تصالح، ولو منحوك الذهب. أترى حين أفقأ عينيك، وأضع جوهرتين مكانهما، هل ترى، هي أشياء لا تشترى. نعود إلى إبراهيم ناجي لنقف على «الأطلال». وبيرم التونسي، لنسأل «هوه صحيح الهوى غلاب». نحن لا نعرف. أغداً ألقاك. لا نعرف، ولا الهادي آدم يعرف: «يا خوف فؤادي من غدِ». نحن في عطش إلى سالف الدهر؛ إلى زمن أحمد رامي، وشوقي، وصلاح عبد الصبور، والبارودي، والرافعي، والمنفلوطي، والزيات، وأبو ريشة، وأبو ماضي، وإلى زمن إحسان عباس، ومحمود السمرة، وناصر الدين الأسد، وروكس بن زائد العزيزي. إلى زمن الأوابد، و»أسد الإسلام وقديسه»، ونمر العدوان.
يحنُّ المرء إلى زمن عمر المختار، وبطولات جميلة بوحريد، ونستذكر الخليفة العادل في بيت المقدس عندما رفض الصلاة في الكنيسة، كلما أردنا الاستشهاد بسماحة الإسلام. نستحضر صلاح الدين، والظاهر بيبرس، ومجد ظاهر العمر الزيداني، وسيف الدين قطز، وغيرهم مئات.
باختصار، تراجعت الأمة. تراجعت معها اللغة. صغر رغيف الخبز. خفت الإدراك والوعي، وقيم المحبة إلا من رحم ربي. تشوّه الرصيف. خفتت مشاعر العروبة. قلّ العزم. تقزم صحن الفول، وغاب «أبو عرب»، وأخذ معه «التصليحة». تغير الشِّعر، وقصّات الشَّعر، وتغيرت «التسريحة». سنظل نتغنى بالميت، طالما أن لا شيء في حاضرنا يُطرب مغني الحي، أو يطرب الحي.
عامر طهبوب عندما يشيخ المرء، يُكثِر الحديث عن الماضي، بل لعلّه لا يذكر من الحاضر شيئاً، وهكذا الأمم، تشيخ، ولا تجد ما تتحدث عنه في حاضرها سوى ماضيها، وهذه أمتي.
هل تعتقدون أن الماضي كان أجمل. هل الأسود والأبيض أكثر بهجة من الألوان. أم أن الحاضر الذي اختلطت فيه ألوان الطيف بشكل أفزع العين، هو ما حمّل الماضي فوق جماله، جمالاً واختيالا، وألبسه عباءة بيضاء خالية من الثقوب والعيوب.
الماضي أجمل لأن حاضر الأمة بشع. لأنها تعيش حالة نكوص غير مسبوقة في تاريخها التليد. أصبحنا نحنُّ إلى زمن عبد الحميد، يوم رفض الانصياع إلى ضغوطات اليهود. تراجع كل شيء في حياتنا. في السياسة، وفي الكياسة. وفي العلم، والمعرفة، والأدب، والفكر، والثقافة، والذائقة، وفي الحب، وقصص العشق والغرام، وفي الوعي والإدراك، وفي البساطة وسهولة العيش. نحنُّ إلى إبرة «البابور»، و»البابور».
إلى صوبة علاء الدين. إلى «تنكة مصدية» نشعل فيها الحطب، ونتلمس حولها الدفء في جانب من جنبات الحي. نحنُّ إلى «قلاية البندورة»، و»راس بصل» من فم الأرض، بل نحنُّ إلى الأرض ومفارشها.
آه، بل آخ. من منا لا يحن إلى الأندلس، وقصص بناء الحمراء، وزمن بن زياد، وبن تاشفين، وبن مالك، والزهراء، وقصص ولادة، والمعتصم، وزمن استغاثات تلامس النخوة والأذن معاً.
نحنُّ إلى زمن الحب، وشعراء الغزل، إلى الأعشى، وقيس، وليلى، وجميل، وبثينة، وبشار، وابن زيدون، وربما نزار، كما نحنُّ إلى عرار، ووادي اليابس، ووادي الشتا، ووادي السير، ونحن نردد: «ليت الوقوف بوادي السير إجباري، وليت جارك يا وادي الشتا جاري».
هذه أمة تعيش حالة «توهان» فريدة عجيبة غريبة. تتوه في شباط، كما في نيسان. أمة فقدت البوصلة. غابت أعمدتها الفقرية. تكوّر جسدها. ضاعت روحها. رحل زعيم القدود الحلبية وهو يرى وطنه يصارع الحياة. راحت أم كلثوم. عزاؤنا أنها لم تمت كلها. بقي صوتها، ونردد: «ثوار، ثوار، على طول المدى ثوار». رحل نصري، وأخذ معه أحلامه بأن يعلّي الدار، وأن يرعاها صهيل الخيل، وتضيئها سيوف العز، وسترحل فيروز بعد عمر طويل، ليرحل معها الكائن الوحيد الذي لم يختلف عليه اللبنانيون. ورحلت صباح قبل أن ترسل رسالة في «البوسطة» لحضرة «الأسطة». وغاب عبد الحليم، وفريد، وسعاد محمد، وغيرهم كثير.
رحلت سعاد حسني، وعادل خيري، وصلاح منصور، وفؤاد المهندس، وحسين رياض، وعمر الشريف، وجميل راتب، وعبد الله غيث، ومحمود مرسي، وغيرهم كثير، لكن السينما المصرية لم تنجب بديلاً لأي من هؤلاء الراحلين.
أقول أن كل شيء تراجع. لم يأت صوت يشبه صوت المقريء محمد رفعت إلا صوت المقريء محمد رشاد الشريف، ولكنهما رحلا. ما زلنا نحنُّ ونستمع بخشوع إلى صوت الحصري، وعبد الباسط، ومصطفى إسماعيل، وأبو العينين شعيشع، والمنشاوي، وغيرهم من الأصوات العذبة التي تدعو إلى الخشوع والتأمل، والبكاء أحياناً، ولكن من نعم الله علينا، أن هؤلاء لم يموتوا كلهم. بقيت أصواتهم.
نحنُّ إلى الماضي. لا يوجد ما نتغنى به في حاضرنا. نحن إلى الحكيم، ونجيب، وعبد القدوس، وكشجرة لبلاب محمد عبد الحليم عبد الله، نلتف حول طه حسين، والعقاد، والمازني، وجبران، وزمن صلاح جاهين، ونحن ننشد: «البنات، البنات، ألطف الكائنات». الأبنودي، والشيخ إمام. أحمد فؤاد نجم زمن أبو القاسم الشابي: إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر».
إننا نحتمي بالماضي، نلتجيء إليه. نشهر سيوفه بعد أن تثلمت نصالناتبعثرت كلماتنا. تعثرت خطواتنا. وأصابتنا الهشاشة. نستعيد أمل دنقل: لا تصالح، ولو منحوك الذهب. أترى حين أفقأ عينيك، وأضع جوهرتين مكانهما، هل ترى، هي أشياء لا تشترى. نعود إلى إبراهيم ناجي لنقف على «الأطلال». وبيرم التونسي، لنسأل «هوه صحيح الهوى غلاب». نحن لا نعرف. أغداً ألقاك. لا نعرف، ولا الهادي آدم يعرف: «يا خوف فؤادي من غدِ». نحن في عطش إلى سالف الدهر؛ إلى زمن أحمد رامي، وشوقي، وصلاح عبد الصبور، والبارودي، والرافعي، والمنفلوطي، والزيات، وأبو ريشة، وأبو ماضي، وإلى زمن إحسان عباس، ومحمود السمرة، وناصر الدين الأسد، وروكس بن زائد العزيزي. إلى زمن الأوابد، و»أسد الإسلام وقديسه»، ونمر العدوان.
يحنُّ المرء إلى زمن عمر المختار، وبطولات جميلة بوحريد، ونستذكر الخليفة العادل في بيت المقدس عندما رفض الصلاة في الكنيسة، كلما أردنا الاستشهاد بسماحة الإسلام. نستحضر صلاح الدين، والظاهر بيبرس، ومجد ظاهر العمر الزيداني، وسيف الدين قطز، وغيرهم مئات.
باختصار، تراجعت الأمة. تراجعت معها اللغة. صغر رغيف الخبز. خفت الإدراك والوعي، وقيم المحبة إلا من رحم ربي. تشوّه الرصيف. خفتت مشاعر العروبة. قلّ العزم. تقزم صحن الفول، وغاب «أبو عرب»، وأخذ معه «التصليحة». تغير الشِّعر، وقصّات الشَّعر، وتغيرت «التسريحة». سنظل نتغنى بالميت، طالما أن لا شيء في حاضرنا يُطرب مغني الحي، أو يطرب الحي.
عامر طهبوب عندما يشيخ المرء، يُكثِر الحديث عن الماضي، بل لعلّه لا يذكر من الحاضر شيئاً، وهكذا الأمم، تشيخ، ولا تجد ما تتحدث عنه في حاضرها سوى ماضيها، وهذه أمتي.
هل تعتقدون أن الماضي كان أجمل. هل الأسود والأبيض أكثر بهجة من الألوان. أم أن الحاضر الذي اختلطت فيه ألوان الطيف بشكل أفزع العين، هو ما حمّل الماضي فوق جماله، جمالاً واختيالا، وألبسه عباءة بيضاء خالية من الثقوب والعيوب.
الماضي أجمل لأن حاضر الأمة بشع. لأنها تعيش حالة نكوص غير مسبوقة في تاريخها التليد. أصبحنا نحنُّ إلى زمن عبد الحميد، يوم رفض الانصياع إلى ضغوطات اليهود. تراجع كل شيء في حياتنا. في السياسة، وفي الكياسة. وفي العلم، والمعرفة، والأدب، والفكر، والثقافة، والذائقة، وفي الحب، وقصص العشق والغرام، وفي الوعي والإدراك، وفي البساطة وسهولة العيش. نحنُّ إلى إبرة «البابور»، و»البابور».
إلى صوبة علاء الدين. إلى «تنكة مصدية» نشعل فيها الحطب، ونتلمس حولها الدفء في جانب من جنبات الحي. نحنُّ إلى «قلاية البندورة»، و»راس بصل» من فم الأرض، بل نحنُّ إلى الأرض ومفارشها.
آه، بل آخ. من منا لا يحن إلى الأندلس، وقصص بناء الحمراء، وزمن بن زياد، وبن تاشفين، وبن مالك، والزهراء، وقصص ولادة، والمعتصم، وزمن استغاثات تلامس النخوة والأذن معاً.
نحنُّ إلى زمن الحب، وشعراء الغزل، إلى الأعشى، وقيس، وليلى، وجميل، وبثينة، وبشار، وابن زيدون، وربما نزار، كما نحنُّ إلى عرار، ووادي اليابس، ووادي الشتا، ووادي السير، ونحن نردد: «ليت الوقوف بوادي السير إجباري، وليت جارك يا وادي الشتا جاري».
هذه أمة تعيش حالة «توهان» فريدة عجيبة غريبة. تتوه في شباط، كما في نيسان. أمة فقدت البوصلة. غابت أعمدتها الفقرية. تكوّر جسدها. ضاعت روحها. رحل زعيم القدود الحلبية وهو يرى وطنه يصارع الحياة. راحت أم كلثوم. عزاؤنا أنها لم تمت كلها. بقي صوتها، ونردد: «ثوار، ثوار، على طول المدى ثوار». رحل نصري، وأخذ معه أحلامه بأن يعلّي الدار، وأن يرعاها صهيل الخيل، وتضيئها سيوف العز، وسترحل فيروز بعد عمر طويل، ليرحل معها الكائن الوحيد الذي لم يختلف عليه اللبنانيون. ورحلت صباح قبل أن ترسل رسالة في «البوسطة» لحضرة «الأسطة». وغاب عبد الحليم، وفريد، وسعاد محمد، وغيرهم كثير.
رحلت سعاد حسني، وعادل خيري، وصلاح منصور، وفؤاد المهندس، وحسين رياض، وعمر الشريف، وجميل راتب، وعبد الله غيث، ومحمود مرسي، وغيرهم كثير، لكن السينما المصرية لم تنجب بديلاً لأي من هؤلاء الراحلين.
أقول أن كل شيء تراجع. لم يأت صوت يشبه صوت المقريء محمد رفعت إلا صوت المقريء محمد رشاد الشريف، ولكنهما رحلا. ما زلنا نحنُّ ونستمع بخشوع إلى صوت الحصري، وعبد الباسط، ومصطفى إسماعيل، وأبو العينين شعيشع، والمنشاوي، وغيرهم من الأصوات العذبة التي تدعو إلى الخشوع والتأمل، والبكاء أحياناً، ولكن من نعم الله علينا، أن هؤلاء لم يموتوا كلهم. بقيت أصواتهم.
نحنُّ إلى الماضي. لا يوجد ما نتغنى به في حاضرنا. نحن إلى الحكيم، ونجيب، وعبد القدوس، وكشجرة لبلاب محمد عبد الحليم عبد الله، نلتف حول طه حسين، والعقاد، والمازني، وجبران، وزمن صلاح جاهين، ونحن ننشد: «البنات، البنات، ألطف الكائنات». الأبنودي، والشيخ إمام. أحمد فؤاد نجم زمن أبو القاسم الشابي: إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر».
إننا نحتمي بالماضي، نلتجيء إليه. نشهر سيوفه بعد أن تثلمت نصالناتبعثرت كلماتنا. تعثرت خطواتنا. وأصابتنا الهشاشة. نستعيد أمل دنقل: لا تصالح، ولو منحوك الذهب. أترى حين أفقأ عينيك، وأضع جوهرتين مكانهما، هل ترى، هي أشياء لا تشترى. نعود إلى إبراهيم ناجي لنقف على «الأطلال». وبيرم التونسي، لنسأل «هوه صحيح الهوى غلاب». نحن لا نعرف. أغداً ألقاك. لا نعرف، ولا الهادي آدم يعرف: «يا خوف فؤادي من غدِ». نحن في عطش إلى سالف الدهر؛ إلى زمن أحمد رامي، وشوقي، وصلاح عبد الصبور، والبارودي، والرافعي، والمنفلوطي، والزيات، وأبو ريشة، وأبو ماضي، وإلى زمن إحسان عباس، ومحمود السمرة، وناصر الدين الأسد، وروكس بن زائد العزيزي. إلى زمن الأوابد، و»أسد الإسلام وقديسه»، ونمر العدوان.
يحنُّ المرء إلى زمن عمر المختار، وبطولات جميلة بوحريد، ونستذكر الخليفة العادل في بيت المقدس عندما رفض الصلاة في الكنيسة، كلما أردنا الاستشهاد بسماحة الإسلام. نستحضر صلاح الدين، والظاهر بيبرس، ومجد ظاهر العمر الزيداني، وسيف الدين قطز، وغيرهم مئات.
باختصار، تراجعت الأمة. تراجعت معها اللغة. صغر رغيف الخبز. خفت الإدراك والوعي، وقيم المحبة إلا من رحم ربي. تشوّه الرصيف. خفتت مشاعر العروبة. قلّ العزم. تقزم صحن الفول، وغاب «أبو عرب»، وأخذ معه «التصليحة». تغير الشِّعر، وقصّات الشَّعر، وتغيرت «التسريحة». سنظل نتغنى بالميت، طالما أن لا شيء في حاضرنا يُطرب مغني الحي، أو يطرب الحي.
التعليقات