كتب – محرر الشؤون المحلية
هل من المهم الإيغال في تفاصيل حوار مدير المخابرات الأردنية مع مجموعة من الصحفيين ورؤساء التحرير ؟ ....أم من المهم البحث فيما خلف اللقاء ...
تلك المرة الأولى التي يتم فيها الإشارة إلى لقاء مدير مخابرات مع مجموعة من الكتاب والصحفيين , وللعلم في شكل اللقاء لم يتغير شيء ...فالذين جلسوا مع الباشا هم (المؤلفة قلوبهم) , والذين يتنقلون من طاولات الحكومة إلى طاولات الديوان ...بمعنى اخر النوعية عادية , لايوجد فيها معارضة ولا وسط ....يوجد فيها الذين يقولون ( نعم ) فقط ...هذا يعني أن الدولة ليست بحاجة لمحاورة هذه الفئة , كونها تمثل خط الولاء المضمون ....ناهيك عن أن الذين حضروا في استطلاعات (ابسوس) و(ايريكس) ....ومركز الدراسات الإستراتيجية لشعبية الكتاب ... لم يكونوا في القوائم أصلا ..بمعنى أن حضورهم في الشارع ضئيل جدا .
إذا الحضور شكلي ليس إلا ...فما جدوى اللقاء ؟ ...
من المهم جدا قراءة شخصية مدير المخابرات العامة , هو مثقف موسوعي ...يجيد ترتيب الأفكار والإقناع , عمل في التحقيق ..قبل أن يتدرج في الرتبة , وهو يمثل مدرسة العسكرية الصارمة , ولايؤمن بالفصل بين الأمن والسياسة ....والأهم أنه لا يؤمن ابدا بأن الأمن يجب حصره في زاوية واحدة ....
ربما اللقاء هو رسالة استعادة الدور , وليس رسالة دفاع عن عمل الدائرة أو تموضعها أو مستقبلها ..فكما هو معروف أن وشوشات انطلقت مع بدء عمل اللجنة الملكية للإصلاح , تصر على أن دور المخابرات يجب أن يحصر في الأمن ..وتدخلها في الشأن السياسي يمثل معيقا للإصلاح ...وتزامن هذا الأمر مع رسالة ملكية تحمل هذا الفحوى ...
الذين يطلقون هذه الوشوشات في المجتمع , هم الذين عادوا من بيروت ...في العام 89...هم الذين كانوا يسارا بمحض إرادتهم, وحملة شعارات الثورة والتحرير ...وبعضهم انخرط في صحف ومنظمات , وصفت نظامنا السياسي بالرجعي ..وأخرى كان من أبرز عناونيها (الدعس على جواز السفر الأردني ) - وبعضهم وهذا لتذكيرنا وليس لتذكير المخابرات كونها لا تنسى - اسقط القارمة التي تحمل اسم اتحاد طلبة المملكة الأردنية الهاشمية ورفع بدلا منها .( اتحاد جمهورية الأردن) ...الغريب في الأمر أن مصطفى القيسي رحمه الله وجهاز المخابرات العامة هو من أعاد تأهيلهم وجعلهم ينخرطون في المنظومة السياسية والمجتمعية بعد أحداث نيسان ...
وهنا دعوني أذكر لكم قصة حدثت بين الحسين ومصطفى باشا رحمه الله ...عندما تأخر القيسي , في إعطاء بعضهم الضوء الأخضر للعودة ...وحين سأل بذلك كانت إجابته : ( إحنا مش خايفين من اللي رابط مع جهة وحده ..إحنا خايفين من اللي رابط مع 14 جهة ) ....
الغريب أن هؤلاء الذين كان للمخابرات فضل عليهم , في العودة ...وهؤلاء الذين طافوا بأحداث جامعة اليرموك في العالم وصحف لبنان والثورة , واتهموا نظامنا السياسي (بالجزار) ..هم من صاروا يهمسون الان عن الأدوار الأمنية ....
وهنا لابد من التعريج على قصيدة بدر شاكر السياب وسؤاله المؤلم :
أيخون إنسان بلاده
إن خان معنى أن يكون , فكيف سيمكن أن يكون ..
الشمس في بلادي أعظم من سواها ...
إذا المخابرات , هي مثل اي مؤسسة في الأردن ..تواجه اسئلة من الشك في الدور وأجزم أن لقاء الباشا , لم يكن لقاء حديث وتبادل أفكار...بقدر ما كان لقاء رسالة لمؤسسات الدولة فحواها : نحن موجودون ..والفحوى الاخر والأخطر والأهم هو : نحن الأقرب للملك ..
لنعد لشخصية مدير المخابرات , وحديثه ....ولنذكر أيضا , بأن الفئة المشار إليها سابقا والتي أنخرطت بعد العودة في منظمات ا(لأن جي أوز) والتمويل الأجنبي ..وعلاقات السفارات , هي التي عادت لتطل مرة أخرى وهذه المرة عبر نافذة الليبرالية ونافذة الحقوق , والعدالة ....بعد أن استنفذت نوافذ الثورة , عادت لتطل علينا بدعوات غريبة أبرزها الهوية الجامعة والعدالة ....والإصلاح السياسي ..وصارت ملكية أكثر منا ووطنية أكثر ..ورومانسية حالمة أكثر من نزار قباني في قصيدة ( قارئة الفنجان) ....علما بأن مفهوم الإصلاح السياسي لايعني أبدا ... أن يكون في القوانين والتشريعات ...هذا نصف تعريف للإصلاح أما التعريف الجامع المانع للإصلاح السياسي فهو : شطب طبقة سياسية وانتاج أخرى ...
هذا ما فعله بوتين بعد رحيل يلتسين ...شطب طبقة سياسية وأنتج اخرى , هذا ما فعله السيسي ... ...وهذا ما فعله بايدن ...
لنعد للقاء ...المخابرات هي المؤسسة المؤتمنة على الوجدان , وهي المؤسسة الراعية والحاضنة ..وهي مؤسسة الإستيعاب قبل مؤسسة العقاب ..وهي مخابرات دولة ...ولم تضع الدولة في خانة الإختصار بالأمن ...هذه ربما من رسائل اللقاء التي نفهمها , وهذه ربما هي القواعد والأسس التي تشكل عليها العقل الأمني الأردني ..وهي تعود , وعودتها ليست عبثية وإنما تحكمها ضرورات المشهد ..
اللواء احمد حسني , هو من أكثر الناس الذين تعرضوا لهجوم الإعلام الخارجي المعارض ..مع ذلك بقي متماسكا , ومارس سياسة الإستيعاب ولم يمارس سياسة العقاب ...هو يعيد انتاج مدرسة مصطفى القيسي وأحمد علاء الدين ...ومضر بدران ..هؤلاء وازنوا بين الدور الإنساني للدائرة والدور السياسي والأمني ...هو يوازن بين كل تلك الأشياء , والأهم من ذلك ..أنه لم يمارس الصراع مع مؤسسات الدولة ..ولم يمارس عملية تغليب رأي على اخر ...
الجهاز الوحيد في العالم العربي الذي لم يقم على السحل والقتل والإخفاء هو جهاز المخابرات الأردني ....ونجزم أن اللقاء كان رسالة تأكيد على دور هذه المؤسسة وحيويتها ....وهو رسالة أيضا لمن يريدون العبث بأدوار المؤسسات باسم الإصلاح أو باسم الليبرالية ..أو باسم المدنية ....رسالة مفادها أننا موجودون كمؤسسة ...ونحتضن الكل ..ولكن لا نسمح لأحد أن يختطف البلد باتجاه تيار واحد أو تفكير واحد أو منهج واحد ..
اختصار المشهد كله ..ايهما أهم العين أم الجفن ؟ ...العين هي الرؤية ..هي أثمن جوهرة في راس الإنسان , هي عبرها ينتج الحب وترى الحياة ..ولكن هل تدوم الرؤية من دون جفن ..من دون غمضة .. من دون إطباق على العين في الليل ..وأخذها إلى سكون النوم وراحته ...
هكذا هو جهاز المخابرات جفن الدولة ..الذي يحمي الرؤية , ويؤمن الراحة ..ويغسل اثار الغبار ...والحصى ودخان السجائر ...هذا هو دور المخابرات في الأردن ..وأظنه عاد بكل الحيوية والديناميكية ..والأهم ...أنه الجفن الأردني الحقيقي الذي لم يخضع للذبول ولا للإرتخاء ولا للتغير ...وظل هو الحامي للهوية والضمير .
كتب – محرر الشؤون المحلية
هل من المهم الإيغال في تفاصيل حوار مدير المخابرات الأردنية مع مجموعة من الصحفيين ورؤساء التحرير ؟ ....أم من المهم البحث فيما خلف اللقاء ...
تلك المرة الأولى التي يتم فيها الإشارة إلى لقاء مدير مخابرات مع مجموعة من الكتاب والصحفيين , وللعلم في شكل اللقاء لم يتغير شيء ...فالذين جلسوا مع الباشا هم (المؤلفة قلوبهم) , والذين يتنقلون من طاولات الحكومة إلى طاولات الديوان ...بمعنى اخر النوعية عادية , لايوجد فيها معارضة ولا وسط ....يوجد فيها الذين يقولون ( نعم ) فقط ...هذا يعني أن الدولة ليست بحاجة لمحاورة هذه الفئة , كونها تمثل خط الولاء المضمون ....ناهيك عن أن الذين حضروا في استطلاعات (ابسوس) و(ايريكس) ....ومركز الدراسات الإستراتيجية لشعبية الكتاب ... لم يكونوا في القوائم أصلا ..بمعنى أن حضورهم في الشارع ضئيل جدا .
إذا الحضور شكلي ليس إلا ...فما جدوى اللقاء ؟ ...
من المهم جدا قراءة شخصية مدير المخابرات العامة , هو مثقف موسوعي ...يجيد ترتيب الأفكار والإقناع , عمل في التحقيق ..قبل أن يتدرج في الرتبة , وهو يمثل مدرسة العسكرية الصارمة , ولايؤمن بالفصل بين الأمن والسياسة ....والأهم أنه لا يؤمن ابدا بأن الأمن يجب حصره في زاوية واحدة ....
ربما اللقاء هو رسالة استعادة الدور , وليس رسالة دفاع عن عمل الدائرة أو تموضعها أو مستقبلها ..فكما هو معروف أن وشوشات انطلقت مع بدء عمل اللجنة الملكية للإصلاح , تصر على أن دور المخابرات يجب أن يحصر في الأمن ..وتدخلها في الشأن السياسي يمثل معيقا للإصلاح ...وتزامن هذا الأمر مع رسالة ملكية تحمل هذا الفحوى ...
الذين يطلقون هذه الوشوشات في المجتمع , هم الذين عادوا من بيروت ...في العام 89...هم الذين كانوا يسارا بمحض إرادتهم, وحملة شعارات الثورة والتحرير ...وبعضهم انخرط في صحف ومنظمات , وصفت نظامنا السياسي بالرجعي ..وأخرى كان من أبرز عناونيها (الدعس على جواز السفر الأردني ) - وبعضهم وهذا لتذكيرنا وليس لتذكير المخابرات كونها لا تنسى - اسقط القارمة التي تحمل اسم اتحاد طلبة المملكة الأردنية الهاشمية ورفع بدلا منها .( اتحاد جمهورية الأردن) ...الغريب في الأمر أن مصطفى القيسي رحمه الله وجهاز المخابرات العامة هو من أعاد تأهيلهم وجعلهم ينخرطون في المنظومة السياسية والمجتمعية بعد أحداث نيسان ...
وهنا دعوني أذكر لكم قصة حدثت بين الحسين ومصطفى باشا رحمه الله ...عندما تأخر القيسي , في إعطاء بعضهم الضوء الأخضر للعودة ...وحين سأل بذلك كانت إجابته : ( إحنا مش خايفين من اللي رابط مع جهة وحده ..إحنا خايفين من اللي رابط مع 14 جهة ) ....
الغريب أن هؤلاء الذين كان للمخابرات فضل عليهم , في العودة ...وهؤلاء الذين طافوا بأحداث جامعة اليرموك في العالم وصحف لبنان والثورة , واتهموا نظامنا السياسي (بالجزار) ..هم من صاروا يهمسون الان عن الأدوار الأمنية ....
وهنا لابد من التعريج على قصيدة بدر شاكر السياب وسؤاله المؤلم :
أيخون إنسان بلاده
إن خان معنى أن يكون , فكيف سيمكن أن يكون ..
الشمس في بلادي أعظم من سواها ...
إذا المخابرات , هي مثل اي مؤسسة في الأردن ..تواجه اسئلة من الشك في الدور وأجزم أن لقاء الباشا , لم يكن لقاء حديث وتبادل أفكار...بقدر ما كان لقاء رسالة لمؤسسات الدولة فحواها : نحن موجودون ..والفحوى الاخر والأخطر والأهم هو : نحن الأقرب للملك ..
لنعد لشخصية مدير المخابرات , وحديثه ....ولنذكر أيضا , بأن الفئة المشار إليها سابقا والتي أنخرطت بعد العودة في منظمات ا(لأن جي أوز) والتمويل الأجنبي ..وعلاقات السفارات , هي التي عادت لتطل مرة أخرى وهذه المرة عبر نافذة الليبرالية ونافذة الحقوق , والعدالة ....بعد أن استنفذت نوافذ الثورة , عادت لتطل علينا بدعوات غريبة أبرزها الهوية الجامعة والعدالة ....والإصلاح السياسي ..وصارت ملكية أكثر منا ووطنية أكثر ..ورومانسية حالمة أكثر من نزار قباني في قصيدة ( قارئة الفنجان) ....علما بأن مفهوم الإصلاح السياسي لايعني أبدا ... أن يكون في القوانين والتشريعات ...هذا نصف تعريف للإصلاح أما التعريف الجامع المانع للإصلاح السياسي فهو : شطب طبقة سياسية وانتاج أخرى ...
هذا ما فعله بوتين بعد رحيل يلتسين ...شطب طبقة سياسية وأنتج اخرى , هذا ما فعله السيسي ... ...وهذا ما فعله بايدن ...
لنعد للقاء ...المخابرات هي المؤسسة المؤتمنة على الوجدان , وهي المؤسسة الراعية والحاضنة ..وهي مؤسسة الإستيعاب قبل مؤسسة العقاب ..وهي مخابرات دولة ...ولم تضع الدولة في خانة الإختصار بالأمن ...هذه ربما من رسائل اللقاء التي نفهمها , وهذه ربما هي القواعد والأسس التي تشكل عليها العقل الأمني الأردني ..وهي تعود , وعودتها ليست عبثية وإنما تحكمها ضرورات المشهد ..
اللواء احمد حسني , هو من أكثر الناس الذين تعرضوا لهجوم الإعلام الخارجي المعارض ..مع ذلك بقي متماسكا , ومارس سياسة الإستيعاب ولم يمارس سياسة العقاب ...هو يعيد انتاج مدرسة مصطفى القيسي وأحمد علاء الدين ...ومضر بدران ..هؤلاء وازنوا بين الدور الإنساني للدائرة والدور السياسي والأمني ...هو يوازن بين كل تلك الأشياء , والأهم من ذلك ..أنه لم يمارس الصراع مع مؤسسات الدولة ..ولم يمارس عملية تغليب رأي على اخر ...
الجهاز الوحيد في العالم العربي الذي لم يقم على السحل والقتل والإخفاء هو جهاز المخابرات الأردني ....ونجزم أن اللقاء كان رسالة تأكيد على دور هذه المؤسسة وحيويتها ....وهو رسالة أيضا لمن يريدون العبث بأدوار المؤسسات باسم الإصلاح أو باسم الليبرالية ..أو باسم المدنية ....رسالة مفادها أننا موجودون كمؤسسة ...ونحتضن الكل ..ولكن لا نسمح لأحد أن يختطف البلد باتجاه تيار واحد أو تفكير واحد أو منهج واحد ..
اختصار المشهد كله ..ايهما أهم العين أم الجفن ؟ ...العين هي الرؤية ..هي أثمن جوهرة في راس الإنسان , هي عبرها ينتج الحب وترى الحياة ..ولكن هل تدوم الرؤية من دون جفن ..من دون غمضة .. من دون إطباق على العين في الليل ..وأخذها إلى سكون النوم وراحته ...
هكذا هو جهاز المخابرات جفن الدولة ..الذي يحمي الرؤية , ويؤمن الراحة ..ويغسل اثار الغبار ...والحصى ودخان السجائر ...هذا هو دور المخابرات في الأردن ..وأظنه عاد بكل الحيوية والديناميكية ..والأهم ...أنه الجفن الأردني الحقيقي الذي لم يخضع للذبول ولا للإرتخاء ولا للتغير ...وظل هو الحامي للهوية والضمير .
كتب – محرر الشؤون المحلية
هل من المهم الإيغال في تفاصيل حوار مدير المخابرات الأردنية مع مجموعة من الصحفيين ورؤساء التحرير ؟ ....أم من المهم البحث فيما خلف اللقاء ...
تلك المرة الأولى التي يتم فيها الإشارة إلى لقاء مدير مخابرات مع مجموعة من الكتاب والصحفيين , وللعلم في شكل اللقاء لم يتغير شيء ...فالذين جلسوا مع الباشا هم (المؤلفة قلوبهم) , والذين يتنقلون من طاولات الحكومة إلى طاولات الديوان ...بمعنى اخر النوعية عادية , لايوجد فيها معارضة ولا وسط ....يوجد فيها الذين يقولون ( نعم ) فقط ...هذا يعني أن الدولة ليست بحاجة لمحاورة هذه الفئة , كونها تمثل خط الولاء المضمون ....ناهيك عن أن الذين حضروا في استطلاعات (ابسوس) و(ايريكس) ....ومركز الدراسات الإستراتيجية لشعبية الكتاب ... لم يكونوا في القوائم أصلا ..بمعنى أن حضورهم في الشارع ضئيل جدا .
إذا الحضور شكلي ليس إلا ...فما جدوى اللقاء ؟ ...
من المهم جدا قراءة شخصية مدير المخابرات العامة , هو مثقف موسوعي ...يجيد ترتيب الأفكار والإقناع , عمل في التحقيق ..قبل أن يتدرج في الرتبة , وهو يمثل مدرسة العسكرية الصارمة , ولايؤمن بالفصل بين الأمن والسياسة ....والأهم أنه لا يؤمن ابدا بأن الأمن يجب حصره في زاوية واحدة ....
ربما اللقاء هو رسالة استعادة الدور , وليس رسالة دفاع عن عمل الدائرة أو تموضعها أو مستقبلها ..فكما هو معروف أن وشوشات انطلقت مع بدء عمل اللجنة الملكية للإصلاح , تصر على أن دور المخابرات يجب أن يحصر في الأمن ..وتدخلها في الشأن السياسي يمثل معيقا للإصلاح ...وتزامن هذا الأمر مع رسالة ملكية تحمل هذا الفحوى ...
الذين يطلقون هذه الوشوشات في المجتمع , هم الذين عادوا من بيروت ...في العام 89...هم الذين كانوا يسارا بمحض إرادتهم, وحملة شعارات الثورة والتحرير ...وبعضهم انخرط في صحف ومنظمات , وصفت نظامنا السياسي بالرجعي ..وأخرى كان من أبرز عناونيها (الدعس على جواز السفر الأردني ) - وبعضهم وهذا لتذكيرنا وليس لتذكير المخابرات كونها لا تنسى - اسقط القارمة التي تحمل اسم اتحاد طلبة المملكة الأردنية الهاشمية ورفع بدلا منها .( اتحاد جمهورية الأردن) ...الغريب في الأمر أن مصطفى القيسي رحمه الله وجهاز المخابرات العامة هو من أعاد تأهيلهم وجعلهم ينخرطون في المنظومة السياسية والمجتمعية بعد أحداث نيسان ...
وهنا دعوني أذكر لكم قصة حدثت بين الحسين ومصطفى باشا رحمه الله ...عندما تأخر القيسي , في إعطاء بعضهم الضوء الأخضر للعودة ...وحين سأل بذلك كانت إجابته : ( إحنا مش خايفين من اللي رابط مع جهة وحده ..إحنا خايفين من اللي رابط مع 14 جهة ) ....
الغريب أن هؤلاء الذين كان للمخابرات فضل عليهم , في العودة ...وهؤلاء الذين طافوا بأحداث جامعة اليرموك في العالم وصحف لبنان والثورة , واتهموا نظامنا السياسي (بالجزار) ..هم من صاروا يهمسون الان عن الأدوار الأمنية ....
وهنا لابد من التعريج على قصيدة بدر شاكر السياب وسؤاله المؤلم :
أيخون إنسان بلاده
إن خان معنى أن يكون , فكيف سيمكن أن يكون ..
الشمس في بلادي أعظم من سواها ...
إذا المخابرات , هي مثل اي مؤسسة في الأردن ..تواجه اسئلة من الشك في الدور وأجزم أن لقاء الباشا , لم يكن لقاء حديث وتبادل أفكار...بقدر ما كان لقاء رسالة لمؤسسات الدولة فحواها : نحن موجودون ..والفحوى الاخر والأخطر والأهم هو : نحن الأقرب للملك ..
لنعد لشخصية مدير المخابرات , وحديثه ....ولنذكر أيضا , بأن الفئة المشار إليها سابقا والتي أنخرطت بعد العودة في منظمات ا(لأن جي أوز) والتمويل الأجنبي ..وعلاقات السفارات , هي التي عادت لتطل مرة أخرى وهذه المرة عبر نافذة الليبرالية ونافذة الحقوق , والعدالة ....بعد أن استنفذت نوافذ الثورة , عادت لتطل علينا بدعوات غريبة أبرزها الهوية الجامعة والعدالة ....والإصلاح السياسي ..وصارت ملكية أكثر منا ووطنية أكثر ..ورومانسية حالمة أكثر من نزار قباني في قصيدة ( قارئة الفنجان) ....علما بأن مفهوم الإصلاح السياسي لايعني أبدا ... أن يكون في القوانين والتشريعات ...هذا نصف تعريف للإصلاح أما التعريف الجامع المانع للإصلاح السياسي فهو : شطب طبقة سياسية وانتاج أخرى ...
هذا ما فعله بوتين بعد رحيل يلتسين ...شطب طبقة سياسية وأنتج اخرى , هذا ما فعله السيسي ... ...وهذا ما فعله بايدن ...
لنعد للقاء ...المخابرات هي المؤسسة المؤتمنة على الوجدان , وهي المؤسسة الراعية والحاضنة ..وهي مؤسسة الإستيعاب قبل مؤسسة العقاب ..وهي مخابرات دولة ...ولم تضع الدولة في خانة الإختصار بالأمن ...هذه ربما من رسائل اللقاء التي نفهمها , وهذه ربما هي القواعد والأسس التي تشكل عليها العقل الأمني الأردني ..وهي تعود , وعودتها ليست عبثية وإنما تحكمها ضرورات المشهد ..
اللواء احمد حسني , هو من أكثر الناس الذين تعرضوا لهجوم الإعلام الخارجي المعارض ..مع ذلك بقي متماسكا , ومارس سياسة الإستيعاب ولم يمارس سياسة العقاب ...هو يعيد انتاج مدرسة مصطفى القيسي وأحمد علاء الدين ...ومضر بدران ..هؤلاء وازنوا بين الدور الإنساني للدائرة والدور السياسي والأمني ...هو يوازن بين كل تلك الأشياء , والأهم من ذلك ..أنه لم يمارس الصراع مع مؤسسات الدولة ..ولم يمارس عملية تغليب رأي على اخر ...
الجهاز الوحيد في العالم العربي الذي لم يقم على السحل والقتل والإخفاء هو جهاز المخابرات الأردني ....ونجزم أن اللقاء كان رسالة تأكيد على دور هذه المؤسسة وحيويتها ....وهو رسالة أيضا لمن يريدون العبث بأدوار المؤسسات باسم الإصلاح أو باسم الليبرالية ..أو باسم المدنية ....رسالة مفادها أننا موجودون كمؤسسة ...ونحتضن الكل ..ولكن لا نسمح لأحد أن يختطف البلد باتجاه تيار واحد أو تفكير واحد أو منهج واحد ..
اختصار المشهد كله ..ايهما أهم العين أم الجفن ؟ ...العين هي الرؤية ..هي أثمن جوهرة في راس الإنسان , هي عبرها ينتج الحب وترى الحياة ..ولكن هل تدوم الرؤية من دون جفن ..من دون غمضة .. من دون إطباق على العين في الليل ..وأخذها إلى سكون النوم وراحته ...
هكذا هو جهاز المخابرات جفن الدولة ..الذي يحمي الرؤية , ويؤمن الراحة ..ويغسل اثار الغبار ...والحصى ودخان السجائر ...هذا هو دور المخابرات في الأردن ..وأظنه عاد بكل الحيوية والديناميكية ..والأهم ...أنه الجفن الأردني الحقيقي الذي لم يخضع للذبول ولا للإرتخاء ولا للتغير ...وظل هو الحامي للهوية والضمير .
التعليقات