كتب – هبوب الجنوب
في الثمانينيات من القرن الماضي , كان إعلامنا يسخر كثيرا من تركيز التلفزيون السوري على برامجه المتعلقة بالأطفال وبالتحديد (طلائع البعث) ..هكذا كان يسميهم عبدالحليم خدام , باعتبارهم اشبال البعث والجيل الذي سيحمل شعلة سوريا ....(طلائع البعث) لم يكن في حقيقة ذاته برنامجا حزبيا أو شحنا إعلاميا ...ولكنه كان مخزن الولاء للبعث وخزان العسكرية السورية ...
الذين خاضوا معارك حلب ودرعا , هم الجيل الذي كان يظهر على التلفاز في منتصف الثمانينيات وكانوا أطفالا يلوحون بعلم سوريا وصورة القائد حافظ الأسد , هم ذاتهم الذين قدموا 55 ألف قتيل في معارك سوريا , هم ذاتهم الذين اصبحوا قادة ألوية , وقادة كتائب ...وكان من أبرزهم عصام زهر الدين ..القائد الدرزي الذي اذاق داعش الهزيمة تلو الأخرى ...
نحن في الاردن كنا نركز على أحفاد الثورة العربية الكبرى , وقام الشريف زيد بن شاكر وبدعم أمني وسياسي بتأسيس نادي أبناء الثورة العربية الكبرى , الذي تشعبت فروعه في المحافظات والجامعات ...وكان هدفه إنتاج أدوات مستقبلية للدولة , تدافع عن المشروع والنظام ....فيما بعد انهار المشروع واندحرت الفكرة , لأن الدولة تخلت ...عن المسألة العقائدية في تنشئة جيل جديد ...
نحن اليوم أمام وثائق باندورا , وللاسف يقدم الديوان الملكي بيانا , يصور فيه الأمر على أن الملك مدان ويجب الدفاع عن مدان .....هل أدين ملك هاشمي في تاريخ هذه الامة ؟....هذا قصور كبير , وأمر يجب مناقشته فالملك ليس ملكا لإعلام الديوان ..ولا للحكومة , بل هو رمز الدولة وضميرها ..وتعبيراتها وشخصيتها ...لهذا فالدفاع عنه يجب أن يأخذ الأطر الشعبية وليس الرسمية ...ركزوا معي قلت الدفاع عنه ولم أقل ..رد الإدانة , ذاك أن الدفاع عن العرش يختلف عن بيان الديوان الذي يشبه اعترافا بالإدانة ومحاولة لردها ...
كيف وصلنا إلى هذه المرحلة إذا ؟ ..عجزت الدولة عن بناء أدوات دفاع عنها في السنوات الماضية ...بحيث أنها تعاملت مع الإعلام الخارجي بلغة الدفع والإستقطاب , ولم تزرع رجالات لها في عواصم الغرب كما فعلت دول الخليج ...لم تزرع مصدات للدفاع عن توجهاتها ....بقيت فقط تتعاطى بلغة الدفع والمسكنة ..وعلى الصعيد الداخلي , تم تقسيم الإعلام إلى ولاء مضمون وولاء مدفوع الثمن ....
ثمة نظرية غبية قدمت في فترة , كانت أساس عمل الدولة وهي تشبه إلى حد ما تفكير الدولة العباسية في الهزيع الأخير من عمر السيف والمجد فيها , وهذه النظرية تقوم ...على ان الشرق أردني يشكل عبئا على الدولة , باعتباره يستند إلى هوية ومشروع اجتماعي ومتأصل في الأرض ...ولهذا الشرق أردني في الإعلام هو حالة ...متقلبة والتحالف معه , قد يكون عبئا على مشروع الدولة القائم على الحداثة والتقدم ..بحكم أن مرجعياته العشائرية وانغماسه في الحديث عن وصفي وهزاع ..يصطدم مع مشروع الأردن الجديد القائم على المساواة والعدالة ....لهذا نشأت لدينا حركة غريبة في الإعلام تشبه ما نشأ في الدولة العباسية وهي (الشعوبية) ....والشعوبية ليست مرتبطة هنا بالعرق أو الاصل بقدر ما هي مرتبطة ..بتغريب العقل ....ودعوني أوضح الفارق بين شعوبيتنا وشعوبية الدولة العباسية : الشعوبية لدى العباسيين تعني تغليب العجم على العرب في مفاصل القرار..ولدينا مارست الدولة الفكرة بقالب مختلف فقد غلبت العقل الغربي المرتبط بجامعات بريطانيا أو أمريكا , أو بمؤسسات التمويل على العقل الوطني الحقيقي ..المرتبط بمشروع الدولة وبنيتها وعقيدتها وعشائرها وانماط تطورها الإجتماعي ... لهذا انهارت الأدوات ...والإعلام كله في العالم يقوم على الهوية و الدفاع عن فكرة وترويجها وتبيان أهميتها ...
يقول محمد عابد الجابري في كتابه عن السياسة والعقل العربي : السلطة في العالم العربي تقوم على ثلاثية خطيرة ومهمة وهي : العقيدة والقبيلة والغنيمة .....بمعنى أن السلطان أو الحاكم في العالم العربي , لا يجب أن يكون فقيرا ...فالغنيمة هي جزء مكمل للعقيدة والقبيلة ...ويفسر الجابري الإستبداد في عالمنا العربي ...بشكل مخالف لتفسيرات عبدالرحمن الكواكبي , فهو يعتقد أن هذا الامر لم يكن أصيلا في سيكولوجيا العربي ..ولكن تأثرنا بكسرى وانتقاله من حالة الحاكم المطلق إلى الإله المالك للحياة والخير والمعتقد والنجاة ..هي من غلفت السلطة بهذا الإستبداد ...
والسؤال الذي أود طرحه , هل كانت الغنيمة يوما تشكل إدانة لاي حاكم عربي ؟ ...علما بأن الغنيمة هي جزء من سياسة الحكم ..فالحسين كان يسمي الاردن بالحمى ...والحمى هو واد في مكة كانت تجمع فيه غنائم الهاشميين ...بمعنى أن الغنيمة هي قاعدة من قواعد الحكم ..... ومال الحاكم ليس سبة ولا تعد ..ذاك أن العطايا أيضا هي جزء من سلامة الحكم واستمراره ...
نحن لم نشكل أدوات للدفاع عن الدولة أو النظام , بل دمرنا كامل الأدوات التي بنيت .....انتقلنا من مرحلة الحفاظ على الهوية إلى تدميرها تماما ....وهنا يجب أن أتوقف كي أدلل على الفكرة التي تقدمت بها وهي : دولة بدون أدوات ...
أن ما يثبت على قصور اللجنة الملكية للإصلاح ..في جانب الوعي استعمالها لمصطلح الهوية الجامعة ...وهذا فحش لغوي ورداءة في المعنى ...كيف ؟ الهوية قاتلة , منفرة , وأحيانا دموية ....لم يستعمل أمين معلوف في كتابه (الهويات القاتلة) مصطلح الهوية الجامعة ...لأن الهويات في شكلها هي وحدة عضوية لها قيمها ولغتها ومحدداتها وضوابطها , ومن صفاتها رفضها للاخر ...وتنشأ إما بفعل العرق , أو الدين أو الجغرافيا ..وتتطور باتجاه الهوية الفرعية وباتجاه الهوية المركبة ...وأمين معلوف يؤكد أن الهوية هي من تصنع وطنا بالمقابل الأوطان لاتصنع هوية ...الأمر أشبه بأن تقول : صفار البيض أزرق ...هذا الأمر يدل على أن من استعمل هذا المصطلح لم يقرأ تطورات الهوية ..لو كانت الهويات جامعة لما نشأت قصة البدون في الكويت , لما نشأت أزمة البوليساريو ..وأزمة الأمازيغ ..وهذا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ...لكن للاسف هذا المصطلح لم يقرأ جيدا ..في إطاره اللغوي والأكاديمي الصحيح .
نحن دولة لم ننتج أدوات تدافع عن الملك ..ربما الأداة الوحيدة التي أثبتت فشلها هي محطة المملكة ..وسقطت كونها تفتقد للهوية , وبنيت على وصفة غربية تماما ....وما كان قبلها كله أدوات تغريب واعتداء على الهوية ..وأدوات حداثة مبتذلة , وأدوات لبث روح اليأس ....في النهاية الدولة ذاتها تفتقد لمشروع يحميها .....هذا ما وصلنا له للأسف .
كتب – هبوب الجنوب
في الثمانينيات من القرن الماضي , كان إعلامنا يسخر كثيرا من تركيز التلفزيون السوري على برامجه المتعلقة بالأطفال وبالتحديد (طلائع البعث) ..هكذا كان يسميهم عبدالحليم خدام , باعتبارهم اشبال البعث والجيل الذي سيحمل شعلة سوريا ....(طلائع البعث) لم يكن في حقيقة ذاته برنامجا حزبيا أو شحنا إعلاميا ...ولكنه كان مخزن الولاء للبعث وخزان العسكرية السورية ...
الذين خاضوا معارك حلب ودرعا , هم الجيل الذي كان يظهر على التلفاز في منتصف الثمانينيات وكانوا أطفالا يلوحون بعلم سوريا وصورة القائد حافظ الأسد , هم ذاتهم الذين قدموا 55 ألف قتيل في معارك سوريا , هم ذاتهم الذين اصبحوا قادة ألوية , وقادة كتائب ...وكان من أبرزهم عصام زهر الدين ..القائد الدرزي الذي اذاق داعش الهزيمة تلو الأخرى ...
نحن في الاردن كنا نركز على أحفاد الثورة العربية الكبرى , وقام الشريف زيد بن شاكر وبدعم أمني وسياسي بتأسيس نادي أبناء الثورة العربية الكبرى , الذي تشعبت فروعه في المحافظات والجامعات ...وكان هدفه إنتاج أدوات مستقبلية للدولة , تدافع عن المشروع والنظام ....فيما بعد انهار المشروع واندحرت الفكرة , لأن الدولة تخلت ...عن المسألة العقائدية في تنشئة جيل جديد ...
نحن اليوم أمام وثائق باندورا , وللاسف يقدم الديوان الملكي بيانا , يصور فيه الأمر على أن الملك مدان ويجب الدفاع عن مدان .....هل أدين ملك هاشمي في تاريخ هذه الامة ؟....هذا قصور كبير , وأمر يجب مناقشته فالملك ليس ملكا لإعلام الديوان ..ولا للحكومة , بل هو رمز الدولة وضميرها ..وتعبيراتها وشخصيتها ...لهذا فالدفاع عنه يجب أن يأخذ الأطر الشعبية وليس الرسمية ...ركزوا معي قلت الدفاع عنه ولم أقل ..رد الإدانة , ذاك أن الدفاع عن العرش يختلف عن بيان الديوان الذي يشبه اعترافا بالإدانة ومحاولة لردها ...
كيف وصلنا إلى هذه المرحلة إذا ؟ ..عجزت الدولة عن بناء أدوات دفاع عنها في السنوات الماضية ...بحيث أنها تعاملت مع الإعلام الخارجي بلغة الدفع والإستقطاب , ولم تزرع رجالات لها في عواصم الغرب كما فعلت دول الخليج ...لم تزرع مصدات للدفاع عن توجهاتها ....بقيت فقط تتعاطى بلغة الدفع والمسكنة ..وعلى الصعيد الداخلي , تم تقسيم الإعلام إلى ولاء مضمون وولاء مدفوع الثمن ....
ثمة نظرية غبية قدمت في فترة , كانت أساس عمل الدولة وهي تشبه إلى حد ما تفكير الدولة العباسية في الهزيع الأخير من عمر السيف والمجد فيها , وهذه النظرية تقوم ...على ان الشرق أردني يشكل عبئا على الدولة , باعتباره يستند إلى هوية ومشروع اجتماعي ومتأصل في الأرض ...ولهذا الشرق أردني في الإعلام هو حالة ...متقلبة والتحالف معه , قد يكون عبئا على مشروع الدولة القائم على الحداثة والتقدم ..بحكم أن مرجعياته العشائرية وانغماسه في الحديث عن وصفي وهزاع ..يصطدم مع مشروع الأردن الجديد القائم على المساواة والعدالة ....لهذا نشأت لدينا حركة غريبة في الإعلام تشبه ما نشأ في الدولة العباسية وهي (الشعوبية) ....والشعوبية ليست مرتبطة هنا بالعرق أو الاصل بقدر ما هي مرتبطة ..بتغريب العقل ....ودعوني أوضح الفارق بين شعوبيتنا وشعوبية الدولة العباسية : الشعوبية لدى العباسيين تعني تغليب العجم على العرب في مفاصل القرار..ولدينا مارست الدولة الفكرة بقالب مختلف فقد غلبت العقل الغربي المرتبط بجامعات بريطانيا أو أمريكا , أو بمؤسسات التمويل على العقل الوطني الحقيقي ..المرتبط بمشروع الدولة وبنيتها وعقيدتها وعشائرها وانماط تطورها الإجتماعي ... لهذا انهارت الأدوات ...والإعلام كله في العالم يقوم على الهوية و الدفاع عن فكرة وترويجها وتبيان أهميتها ...
يقول محمد عابد الجابري في كتابه عن السياسة والعقل العربي : السلطة في العالم العربي تقوم على ثلاثية خطيرة ومهمة وهي : العقيدة والقبيلة والغنيمة .....بمعنى أن السلطان أو الحاكم في العالم العربي , لا يجب أن يكون فقيرا ...فالغنيمة هي جزء مكمل للعقيدة والقبيلة ...ويفسر الجابري الإستبداد في عالمنا العربي ...بشكل مخالف لتفسيرات عبدالرحمن الكواكبي , فهو يعتقد أن هذا الامر لم يكن أصيلا في سيكولوجيا العربي ..ولكن تأثرنا بكسرى وانتقاله من حالة الحاكم المطلق إلى الإله المالك للحياة والخير والمعتقد والنجاة ..هي من غلفت السلطة بهذا الإستبداد ...
والسؤال الذي أود طرحه , هل كانت الغنيمة يوما تشكل إدانة لاي حاكم عربي ؟ ...علما بأن الغنيمة هي جزء من سياسة الحكم ..فالحسين كان يسمي الاردن بالحمى ...والحمى هو واد في مكة كانت تجمع فيه غنائم الهاشميين ...بمعنى أن الغنيمة هي قاعدة من قواعد الحكم ..... ومال الحاكم ليس سبة ولا تعد ..ذاك أن العطايا أيضا هي جزء من سلامة الحكم واستمراره ...
نحن لم نشكل أدوات للدفاع عن الدولة أو النظام , بل دمرنا كامل الأدوات التي بنيت .....انتقلنا من مرحلة الحفاظ على الهوية إلى تدميرها تماما ....وهنا يجب أن أتوقف كي أدلل على الفكرة التي تقدمت بها وهي : دولة بدون أدوات ...
أن ما يثبت على قصور اللجنة الملكية للإصلاح ..في جانب الوعي استعمالها لمصطلح الهوية الجامعة ...وهذا فحش لغوي ورداءة في المعنى ...كيف ؟ الهوية قاتلة , منفرة , وأحيانا دموية ....لم يستعمل أمين معلوف في كتابه (الهويات القاتلة) مصطلح الهوية الجامعة ...لأن الهويات في شكلها هي وحدة عضوية لها قيمها ولغتها ومحدداتها وضوابطها , ومن صفاتها رفضها للاخر ...وتنشأ إما بفعل العرق , أو الدين أو الجغرافيا ..وتتطور باتجاه الهوية الفرعية وباتجاه الهوية المركبة ...وأمين معلوف يؤكد أن الهوية هي من تصنع وطنا بالمقابل الأوطان لاتصنع هوية ...الأمر أشبه بأن تقول : صفار البيض أزرق ...هذا الأمر يدل على أن من استعمل هذا المصطلح لم يقرأ تطورات الهوية ..لو كانت الهويات جامعة لما نشأت قصة البدون في الكويت , لما نشأت أزمة البوليساريو ..وأزمة الأمازيغ ..وهذا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ...لكن للاسف هذا المصطلح لم يقرأ جيدا ..في إطاره اللغوي والأكاديمي الصحيح .
نحن دولة لم ننتج أدوات تدافع عن الملك ..ربما الأداة الوحيدة التي أثبتت فشلها هي محطة المملكة ..وسقطت كونها تفتقد للهوية , وبنيت على وصفة غربية تماما ....وما كان قبلها كله أدوات تغريب واعتداء على الهوية ..وأدوات حداثة مبتذلة , وأدوات لبث روح اليأس ....في النهاية الدولة ذاتها تفتقد لمشروع يحميها .....هذا ما وصلنا له للأسف .
كتب – هبوب الجنوب
في الثمانينيات من القرن الماضي , كان إعلامنا يسخر كثيرا من تركيز التلفزيون السوري على برامجه المتعلقة بالأطفال وبالتحديد (طلائع البعث) ..هكذا كان يسميهم عبدالحليم خدام , باعتبارهم اشبال البعث والجيل الذي سيحمل شعلة سوريا ....(طلائع البعث) لم يكن في حقيقة ذاته برنامجا حزبيا أو شحنا إعلاميا ...ولكنه كان مخزن الولاء للبعث وخزان العسكرية السورية ...
الذين خاضوا معارك حلب ودرعا , هم الجيل الذي كان يظهر على التلفاز في منتصف الثمانينيات وكانوا أطفالا يلوحون بعلم سوريا وصورة القائد حافظ الأسد , هم ذاتهم الذين قدموا 55 ألف قتيل في معارك سوريا , هم ذاتهم الذين اصبحوا قادة ألوية , وقادة كتائب ...وكان من أبرزهم عصام زهر الدين ..القائد الدرزي الذي اذاق داعش الهزيمة تلو الأخرى ...
نحن في الاردن كنا نركز على أحفاد الثورة العربية الكبرى , وقام الشريف زيد بن شاكر وبدعم أمني وسياسي بتأسيس نادي أبناء الثورة العربية الكبرى , الذي تشعبت فروعه في المحافظات والجامعات ...وكان هدفه إنتاج أدوات مستقبلية للدولة , تدافع عن المشروع والنظام ....فيما بعد انهار المشروع واندحرت الفكرة , لأن الدولة تخلت ...عن المسألة العقائدية في تنشئة جيل جديد ...
نحن اليوم أمام وثائق باندورا , وللاسف يقدم الديوان الملكي بيانا , يصور فيه الأمر على أن الملك مدان ويجب الدفاع عن مدان .....هل أدين ملك هاشمي في تاريخ هذه الامة ؟....هذا قصور كبير , وأمر يجب مناقشته فالملك ليس ملكا لإعلام الديوان ..ولا للحكومة , بل هو رمز الدولة وضميرها ..وتعبيراتها وشخصيتها ...لهذا فالدفاع عنه يجب أن يأخذ الأطر الشعبية وليس الرسمية ...ركزوا معي قلت الدفاع عنه ولم أقل ..رد الإدانة , ذاك أن الدفاع عن العرش يختلف عن بيان الديوان الذي يشبه اعترافا بالإدانة ومحاولة لردها ...
كيف وصلنا إلى هذه المرحلة إذا ؟ ..عجزت الدولة عن بناء أدوات دفاع عنها في السنوات الماضية ...بحيث أنها تعاملت مع الإعلام الخارجي بلغة الدفع والإستقطاب , ولم تزرع رجالات لها في عواصم الغرب كما فعلت دول الخليج ...لم تزرع مصدات للدفاع عن توجهاتها ....بقيت فقط تتعاطى بلغة الدفع والمسكنة ..وعلى الصعيد الداخلي , تم تقسيم الإعلام إلى ولاء مضمون وولاء مدفوع الثمن ....
ثمة نظرية غبية قدمت في فترة , كانت أساس عمل الدولة وهي تشبه إلى حد ما تفكير الدولة العباسية في الهزيع الأخير من عمر السيف والمجد فيها , وهذه النظرية تقوم ...على ان الشرق أردني يشكل عبئا على الدولة , باعتباره يستند إلى هوية ومشروع اجتماعي ومتأصل في الأرض ...ولهذا الشرق أردني في الإعلام هو حالة ...متقلبة والتحالف معه , قد يكون عبئا على مشروع الدولة القائم على الحداثة والتقدم ..بحكم أن مرجعياته العشائرية وانغماسه في الحديث عن وصفي وهزاع ..يصطدم مع مشروع الأردن الجديد القائم على المساواة والعدالة ....لهذا نشأت لدينا حركة غريبة في الإعلام تشبه ما نشأ في الدولة العباسية وهي (الشعوبية) ....والشعوبية ليست مرتبطة هنا بالعرق أو الاصل بقدر ما هي مرتبطة ..بتغريب العقل ....ودعوني أوضح الفارق بين شعوبيتنا وشعوبية الدولة العباسية : الشعوبية لدى العباسيين تعني تغليب العجم على العرب في مفاصل القرار..ولدينا مارست الدولة الفكرة بقالب مختلف فقد غلبت العقل الغربي المرتبط بجامعات بريطانيا أو أمريكا , أو بمؤسسات التمويل على العقل الوطني الحقيقي ..المرتبط بمشروع الدولة وبنيتها وعقيدتها وعشائرها وانماط تطورها الإجتماعي ... لهذا انهارت الأدوات ...والإعلام كله في العالم يقوم على الهوية و الدفاع عن فكرة وترويجها وتبيان أهميتها ...
يقول محمد عابد الجابري في كتابه عن السياسة والعقل العربي : السلطة في العالم العربي تقوم على ثلاثية خطيرة ومهمة وهي : العقيدة والقبيلة والغنيمة .....بمعنى أن السلطان أو الحاكم في العالم العربي , لا يجب أن يكون فقيرا ...فالغنيمة هي جزء مكمل للعقيدة والقبيلة ...ويفسر الجابري الإستبداد في عالمنا العربي ...بشكل مخالف لتفسيرات عبدالرحمن الكواكبي , فهو يعتقد أن هذا الامر لم يكن أصيلا في سيكولوجيا العربي ..ولكن تأثرنا بكسرى وانتقاله من حالة الحاكم المطلق إلى الإله المالك للحياة والخير والمعتقد والنجاة ..هي من غلفت السلطة بهذا الإستبداد ...
والسؤال الذي أود طرحه , هل كانت الغنيمة يوما تشكل إدانة لاي حاكم عربي ؟ ...علما بأن الغنيمة هي جزء من سياسة الحكم ..فالحسين كان يسمي الاردن بالحمى ...والحمى هو واد في مكة كانت تجمع فيه غنائم الهاشميين ...بمعنى أن الغنيمة هي قاعدة من قواعد الحكم ..... ومال الحاكم ليس سبة ولا تعد ..ذاك أن العطايا أيضا هي جزء من سلامة الحكم واستمراره ...
نحن لم نشكل أدوات للدفاع عن الدولة أو النظام , بل دمرنا كامل الأدوات التي بنيت .....انتقلنا من مرحلة الحفاظ على الهوية إلى تدميرها تماما ....وهنا يجب أن أتوقف كي أدلل على الفكرة التي تقدمت بها وهي : دولة بدون أدوات ...
أن ما يثبت على قصور اللجنة الملكية للإصلاح ..في جانب الوعي استعمالها لمصطلح الهوية الجامعة ...وهذا فحش لغوي ورداءة في المعنى ...كيف ؟ الهوية قاتلة , منفرة , وأحيانا دموية ....لم يستعمل أمين معلوف في كتابه (الهويات القاتلة) مصطلح الهوية الجامعة ...لأن الهويات في شكلها هي وحدة عضوية لها قيمها ولغتها ومحدداتها وضوابطها , ومن صفاتها رفضها للاخر ...وتنشأ إما بفعل العرق , أو الدين أو الجغرافيا ..وتتطور باتجاه الهوية الفرعية وباتجاه الهوية المركبة ...وأمين معلوف يؤكد أن الهوية هي من تصنع وطنا بالمقابل الأوطان لاتصنع هوية ...الأمر أشبه بأن تقول : صفار البيض أزرق ...هذا الأمر يدل على أن من استعمل هذا المصطلح لم يقرأ تطورات الهوية ..لو كانت الهويات جامعة لما نشأت قصة البدون في الكويت , لما نشأت أزمة البوليساريو ..وأزمة الأمازيغ ..وهذا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ...لكن للاسف هذا المصطلح لم يقرأ جيدا ..في إطاره اللغوي والأكاديمي الصحيح .
نحن دولة لم ننتج أدوات تدافع عن الملك ..ربما الأداة الوحيدة التي أثبتت فشلها هي محطة المملكة ..وسقطت كونها تفتقد للهوية , وبنيت على وصفة غربية تماما ....وما كان قبلها كله أدوات تغريب واعتداء على الهوية ..وأدوات حداثة مبتذلة , وأدوات لبث روح اليأس ....في النهاية الدولة ذاتها تفتقد لمشروع يحميها .....هذا ما وصلنا له للأسف .
التعليقات