حديث عام تجاوز عمق الموضوع وأهميته إلى التركيز على شكليات لا تغني ولا تسمن من جوع؛ ولا تفيد في أي حوار اقتصادي، أو يؤسس لمرحلة تصحيحيّة أو تنمويّة في المستقبل القريب، وهو الحديث عن الخصخصة.
أتفهم جيداً أن من يعارض الخصخصة أصحاب الفكر الأيديولوجي الاشتراكي، فهذه معارضة مبنية على أساس فكر اقتصادي يرفض مفهوم الاقتصاد الحرّ، ويعطي الدور للحكومات، وهذا فكر قائم بذاته، وله مدرسته الخاصة وأشياعه المنتشرون في كل العالم.
وهناك من يرفض الخصخصة باعتبارها خذلانا ومتطلبا دوليا في الدول النامية، ساهمت بإضعاف الحكومات وقدرتها في إدارة الاقتصاد مقابل تنازلها عن ملكياتها في الشركات لصالح القطاع الخاص وتحديداً الأجنبي منه، وهذه معارضة مرتبطة بالأمن المعيشي للمواطنين الذين يشعرون بضغوطات معيشية متزايدة ترتبت على حياتهم اليومية نتيجة عمليات الخصخصة.
في الأردن عمليات الخصخصة التي حدثت وتحديداً بعد العام 1998، كانت محل جدل حول نقطة رئيسة وهو الرفض الكامل لتنازل الحكومات عن أسهمها في الشركات، وغالبية عمليات الرفض تستند إلى أسباب معظمها في سعر البيع، وانسحاب الحكومة من النشاط الاقتصاديّ في تلك الشركات إما كاملاً أو جزئيا.
لكن من أراد أن يقيم الخصخصة في الأردن فعليه أن يعود إلى تقرير اللجنة الملكية لتقييم التخاصية سنة 2014، والتي كانت برئاسة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، وعضوية جهات علمية داخلية وخارجية مختصة، استطاعت أن تخرج بتقرير نوعي، يكشف فيه كل نقاط القوة والضعف في عمليات الخصخصة التي تمت بالأردن، ويحددها بشكل واضح، لكن للأسف وضعته حكومة النسور التي احتفلت به على الرف ولم تأخذ بتوصياته أبداً.
غالبية الإجراءات التي تمت بها عمليات التخاصيّة، وفق تقرير اللجنة الملكيّة للتخاصيّة، كانت قد أقرّت بسلامة وقانونيّة غالبية الإجراءات باستثناء بعض الشركات التي شابها بعض المُخالفات في طرح العطاءات ولجوئها للتأزيم بدلا من استقطاب أفضل العروض ضمن عطاءات مَفتوحة وشفافة.
بالنسبة للعوائد فلا يوجد مُقارنة ما بين ما كانت تتقاضاه الخزينة قبل التخاصيّة وبعدها، فعوائد الاتصالات عشرة أضعاف عما كانت عليه قبل التخاصيّة للقطاع، وأعداد العاملين لعشرات الآلاف، والاستثمارات الإجماليّة التي تتجاوز الـ400 مليون دولار على أقل تقدير، والأمر لا يختلف بالنسبة للمطار الذي كانت الحُكومة في السابق تقدم دعما له يقترب من 18 مليون دينار سنويّاً، في حين أن الخزينة الآن تتقاضى أكثر من 220 مليون دينار، ولا تتحمل أيّ كُلّف تشغيليّة أو استثماريّة لِكامل مشروع المطار الذي تُديره وتُشغّله مجموعة استثماريّة فرنسيّة ينتهي عقدها التشغيليّ في العام 2032.
كذلك الأمر بالنسبة لوضع الحكومة في شركات التعدين وغيرها من الشركات التي ما زالت الحكومة تحتفظ بحصص استراتيجيّة بالشراكة مع مستثمرين أجانب عالميين، وعوائد الخزينة كبيرة من تلك المُساهمات إضافة لرسوم التعدين والضرائب المُختلفة والرسوم الجمركيّة، فالبوتاس على سبيل المثال تورد للخزينة ما يقارب الـ112 مليون دينار ما بين توزيعات أرباح وضرائب ورسوم ومسؤوليّة اجتماعيّة، وهو أضعاف ما كانت تتقاضاه الخزينة قبل خصخصتها.
إذا أراد الشّارع تقييم التخاصيّة فالأمر لا يتعلق بالخزينة بحدّ ذاتها، والأسئلة المشروعة هي السلوكيات المختلفة التي حدثت في القطاعات المختلفة بعد خصخصتها، فاستخدام عوائد التخاصيّة في صفقة نادي باريس المشؤومة ليس لها علاقة بالخصخصة بقدر ما هي سوء تخطيط رسميّ في ذلك الوقت في معالجة المديونيّة الخارجيّة مع نادي باريس.
واستمرار الحُكومات في بيع كامل أسهمها في شركة الاتصالات الأردنيّة بعد تخاصيتها لمدة ست سنوات متتالية هو أيضا خطأ استراتيجيّ حكوميّ ليس له علاقة بالخَصخَصة ونظريتها بقدر ما هو رغبة حكوميّة في توفير مخصصات ماليّة لتمويل نفقاتها المُتزايدة.
التخاصيّة في الأردن سليمة في غالبية أنشطتها، لكن السياسات الرسميّة التي أعقبت الخصخصة هي من المفترض أن تقيم وأن يوجّه الشّارع لها تساؤلات، فما تم في شركات من شبهات فساد كان بعد خصخصتها بِسنوات، وليس نتيجة الخَصخَصة بحدّ ذاتها، فالخصخصة شغّلت ووظفت آلاف العاملين، وفتحت أبواب الاستثمار على مصراعيه، خاصة الأجنبي منه.
سلامة الدرعاوي
حديث عام تجاوز عمق الموضوع وأهميته إلى التركيز على شكليات لا تغني ولا تسمن من جوع؛ ولا تفيد في أي حوار اقتصادي، أو يؤسس لمرحلة تصحيحيّة أو تنمويّة في المستقبل القريب، وهو الحديث عن الخصخصة.
أتفهم جيداً أن من يعارض الخصخصة أصحاب الفكر الأيديولوجي الاشتراكي، فهذه معارضة مبنية على أساس فكر اقتصادي يرفض مفهوم الاقتصاد الحرّ، ويعطي الدور للحكومات، وهذا فكر قائم بذاته، وله مدرسته الخاصة وأشياعه المنتشرون في كل العالم.
وهناك من يرفض الخصخصة باعتبارها خذلانا ومتطلبا دوليا في الدول النامية، ساهمت بإضعاف الحكومات وقدرتها في إدارة الاقتصاد مقابل تنازلها عن ملكياتها في الشركات لصالح القطاع الخاص وتحديداً الأجنبي منه، وهذه معارضة مرتبطة بالأمن المعيشي للمواطنين الذين يشعرون بضغوطات معيشية متزايدة ترتبت على حياتهم اليومية نتيجة عمليات الخصخصة.
في الأردن عمليات الخصخصة التي حدثت وتحديداً بعد العام 1998، كانت محل جدل حول نقطة رئيسة وهو الرفض الكامل لتنازل الحكومات عن أسهمها في الشركات، وغالبية عمليات الرفض تستند إلى أسباب معظمها في سعر البيع، وانسحاب الحكومة من النشاط الاقتصاديّ في تلك الشركات إما كاملاً أو جزئيا.
لكن من أراد أن يقيم الخصخصة في الأردن فعليه أن يعود إلى تقرير اللجنة الملكية لتقييم التخاصية سنة 2014، والتي كانت برئاسة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، وعضوية جهات علمية داخلية وخارجية مختصة، استطاعت أن تخرج بتقرير نوعي، يكشف فيه كل نقاط القوة والضعف في عمليات الخصخصة التي تمت بالأردن، ويحددها بشكل واضح، لكن للأسف وضعته حكومة النسور التي احتفلت به على الرف ولم تأخذ بتوصياته أبداً.
غالبية الإجراءات التي تمت بها عمليات التخاصيّة، وفق تقرير اللجنة الملكيّة للتخاصيّة، كانت قد أقرّت بسلامة وقانونيّة غالبية الإجراءات باستثناء بعض الشركات التي شابها بعض المُخالفات في طرح العطاءات ولجوئها للتأزيم بدلا من استقطاب أفضل العروض ضمن عطاءات مَفتوحة وشفافة.
بالنسبة للعوائد فلا يوجد مُقارنة ما بين ما كانت تتقاضاه الخزينة قبل التخاصيّة وبعدها، فعوائد الاتصالات عشرة أضعاف عما كانت عليه قبل التخاصيّة للقطاع، وأعداد العاملين لعشرات الآلاف، والاستثمارات الإجماليّة التي تتجاوز الـ400 مليون دولار على أقل تقدير، والأمر لا يختلف بالنسبة للمطار الذي كانت الحُكومة في السابق تقدم دعما له يقترب من 18 مليون دينار سنويّاً، في حين أن الخزينة الآن تتقاضى أكثر من 220 مليون دينار، ولا تتحمل أيّ كُلّف تشغيليّة أو استثماريّة لِكامل مشروع المطار الذي تُديره وتُشغّله مجموعة استثماريّة فرنسيّة ينتهي عقدها التشغيليّ في العام 2032.
كذلك الأمر بالنسبة لوضع الحكومة في شركات التعدين وغيرها من الشركات التي ما زالت الحكومة تحتفظ بحصص استراتيجيّة بالشراكة مع مستثمرين أجانب عالميين، وعوائد الخزينة كبيرة من تلك المُساهمات إضافة لرسوم التعدين والضرائب المُختلفة والرسوم الجمركيّة، فالبوتاس على سبيل المثال تورد للخزينة ما يقارب الـ112 مليون دينار ما بين توزيعات أرباح وضرائب ورسوم ومسؤوليّة اجتماعيّة، وهو أضعاف ما كانت تتقاضاه الخزينة قبل خصخصتها.
إذا أراد الشّارع تقييم التخاصيّة فالأمر لا يتعلق بالخزينة بحدّ ذاتها، والأسئلة المشروعة هي السلوكيات المختلفة التي حدثت في القطاعات المختلفة بعد خصخصتها، فاستخدام عوائد التخاصيّة في صفقة نادي باريس المشؤومة ليس لها علاقة بالخصخصة بقدر ما هي سوء تخطيط رسميّ في ذلك الوقت في معالجة المديونيّة الخارجيّة مع نادي باريس.
واستمرار الحُكومات في بيع كامل أسهمها في شركة الاتصالات الأردنيّة بعد تخاصيتها لمدة ست سنوات متتالية هو أيضا خطأ استراتيجيّ حكوميّ ليس له علاقة بالخَصخَصة ونظريتها بقدر ما هو رغبة حكوميّة في توفير مخصصات ماليّة لتمويل نفقاتها المُتزايدة.
التخاصيّة في الأردن سليمة في غالبية أنشطتها، لكن السياسات الرسميّة التي أعقبت الخصخصة هي من المفترض أن تقيم وأن يوجّه الشّارع لها تساؤلات، فما تم في شركات من شبهات فساد كان بعد خصخصتها بِسنوات، وليس نتيجة الخَصخَصة بحدّ ذاتها، فالخصخصة شغّلت ووظفت آلاف العاملين، وفتحت أبواب الاستثمار على مصراعيه، خاصة الأجنبي منه.
سلامة الدرعاوي
حديث عام تجاوز عمق الموضوع وأهميته إلى التركيز على شكليات لا تغني ولا تسمن من جوع؛ ولا تفيد في أي حوار اقتصادي، أو يؤسس لمرحلة تصحيحيّة أو تنمويّة في المستقبل القريب، وهو الحديث عن الخصخصة.
أتفهم جيداً أن من يعارض الخصخصة أصحاب الفكر الأيديولوجي الاشتراكي، فهذه معارضة مبنية على أساس فكر اقتصادي يرفض مفهوم الاقتصاد الحرّ، ويعطي الدور للحكومات، وهذا فكر قائم بذاته، وله مدرسته الخاصة وأشياعه المنتشرون في كل العالم.
وهناك من يرفض الخصخصة باعتبارها خذلانا ومتطلبا دوليا في الدول النامية، ساهمت بإضعاف الحكومات وقدرتها في إدارة الاقتصاد مقابل تنازلها عن ملكياتها في الشركات لصالح القطاع الخاص وتحديداً الأجنبي منه، وهذه معارضة مرتبطة بالأمن المعيشي للمواطنين الذين يشعرون بضغوطات معيشية متزايدة ترتبت على حياتهم اليومية نتيجة عمليات الخصخصة.
في الأردن عمليات الخصخصة التي حدثت وتحديداً بعد العام 1998، كانت محل جدل حول نقطة رئيسة وهو الرفض الكامل لتنازل الحكومات عن أسهمها في الشركات، وغالبية عمليات الرفض تستند إلى أسباب معظمها في سعر البيع، وانسحاب الحكومة من النشاط الاقتصاديّ في تلك الشركات إما كاملاً أو جزئيا.
لكن من أراد أن يقيم الخصخصة في الأردن فعليه أن يعود إلى تقرير اللجنة الملكية لتقييم التخاصية سنة 2014، والتي كانت برئاسة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، وعضوية جهات علمية داخلية وخارجية مختصة، استطاعت أن تخرج بتقرير نوعي، يكشف فيه كل نقاط القوة والضعف في عمليات الخصخصة التي تمت بالأردن، ويحددها بشكل واضح، لكن للأسف وضعته حكومة النسور التي احتفلت به على الرف ولم تأخذ بتوصياته أبداً.
غالبية الإجراءات التي تمت بها عمليات التخاصيّة، وفق تقرير اللجنة الملكيّة للتخاصيّة، كانت قد أقرّت بسلامة وقانونيّة غالبية الإجراءات باستثناء بعض الشركات التي شابها بعض المُخالفات في طرح العطاءات ولجوئها للتأزيم بدلا من استقطاب أفضل العروض ضمن عطاءات مَفتوحة وشفافة.
بالنسبة للعوائد فلا يوجد مُقارنة ما بين ما كانت تتقاضاه الخزينة قبل التخاصيّة وبعدها، فعوائد الاتصالات عشرة أضعاف عما كانت عليه قبل التخاصيّة للقطاع، وأعداد العاملين لعشرات الآلاف، والاستثمارات الإجماليّة التي تتجاوز الـ400 مليون دولار على أقل تقدير، والأمر لا يختلف بالنسبة للمطار الذي كانت الحُكومة في السابق تقدم دعما له يقترب من 18 مليون دينار سنويّاً، في حين أن الخزينة الآن تتقاضى أكثر من 220 مليون دينار، ولا تتحمل أيّ كُلّف تشغيليّة أو استثماريّة لِكامل مشروع المطار الذي تُديره وتُشغّله مجموعة استثماريّة فرنسيّة ينتهي عقدها التشغيليّ في العام 2032.
كذلك الأمر بالنسبة لوضع الحكومة في شركات التعدين وغيرها من الشركات التي ما زالت الحكومة تحتفظ بحصص استراتيجيّة بالشراكة مع مستثمرين أجانب عالميين، وعوائد الخزينة كبيرة من تلك المُساهمات إضافة لرسوم التعدين والضرائب المُختلفة والرسوم الجمركيّة، فالبوتاس على سبيل المثال تورد للخزينة ما يقارب الـ112 مليون دينار ما بين توزيعات أرباح وضرائب ورسوم ومسؤوليّة اجتماعيّة، وهو أضعاف ما كانت تتقاضاه الخزينة قبل خصخصتها.
إذا أراد الشّارع تقييم التخاصيّة فالأمر لا يتعلق بالخزينة بحدّ ذاتها، والأسئلة المشروعة هي السلوكيات المختلفة التي حدثت في القطاعات المختلفة بعد خصخصتها، فاستخدام عوائد التخاصيّة في صفقة نادي باريس المشؤومة ليس لها علاقة بالخصخصة بقدر ما هي سوء تخطيط رسميّ في ذلك الوقت في معالجة المديونيّة الخارجيّة مع نادي باريس.
واستمرار الحُكومات في بيع كامل أسهمها في شركة الاتصالات الأردنيّة بعد تخاصيتها لمدة ست سنوات متتالية هو أيضا خطأ استراتيجيّ حكوميّ ليس له علاقة بالخَصخَصة ونظريتها بقدر ما هو رغبة حكوميّة في توفير مخصصات ماليّة لتمويل نفقاتها المُتزايدة.
التخاصيّة في الأردن سليمة في غالبية أنشطتها، لكن السياسات الرسميّة التي أعقبت الخصخصة هي من المفترض أن تقيم وأن يوجّه الشّارع لها تساؤلات، فما تم في شركات من شبهات فساد كان بعد خصخصتها بِسنوات، وليس نتيجة الخَصخَصة بحدّ ذاتها، فالخصخصة شغّلت ووظفت آلاف العاملين، وفتحت أبواب الاستثمار على مصراعيه، خاصة الأجنبي منه.
التعليقات