آخر صرخة ” انتحار” وصلتنا أمس الأول من رجل في الاربعينيات من العمر، أضرم النار في جسده، ثم القى بنفسه من فوق الجسور العشرة في عمان، هذه الحادثة بالطبع ليست “استثنائية”، فقد شهدنا على مدى السنوات الماضية تصاعداً لافتاً في حالات الانتحار (677 حاله بين 2016 – 2020)، وفي العام الماضي فقط، تم تسجيل 169 حادثة، عدا عن محاولات الانتحار التي فشل أصحابها في انهاء حياتهم، او تدخل آخرون لمنعهم من ذلك.
لا يمكن لأي عاقل أن يقبل الانتحار او أن يبرره، لكن من واجبنا أن نسأل: لماذا ينتحر هؤلاء المواطنون، وما هي الاسباب التي تدفعهم إلى اختيار الموت والخلاص من الحياة، أليست صرخة الانتحار هي أقسى وأبلغ صرخة “احتجاج ” يمكن للإنسان أن يسمعها في أي مجتمع من المجتمعات؟
قلت: ” احتجاج”، وفي ذاكرتي قصص كثيرة لأشخاص دفعتهم ظروف الحياة القاسية إلى الانتحار، الشاب اليتيم الذي سكب البنزين على جسده ثم أشعل النار بنفسه أمام وزارة التنمية الاجتماعية، الآخر الذي أحرق نفسه أيضا أمام شركة الكهرباء بعد فصله من العمل، ثم الاخير الذي قفز محترقا من فوق الجسور العشرة بعد أن وجد نفسه بدون ” بسطة” يسترزق منها والدائنون يلحون عليه بالسداد، وقصص أخرى بالعشرات تصب في دائرة سؤال جارح ومحزن وضروري، وهو : لماذا ينتحرون؟ هذا الذي لم نتحرك للإجابة عنه بالشكل الصحيح.
هل وصل بعض الناس في بلدنا إلى هذه الدرجة من اليأس والإحباط، حتى أصبح ” الانتحار” هو البوابة الوحيدة لديهم للهروب من واقعهم ومشكلاتهم المستعصية؟ إذا كان ذلك صحيحا، فإننا جميعا مسؤولون عنهم، الحكومات التي أصمّت آذانها عن الاستماع لمطالب الناس وأنينهم، ولم تقم بواجبها في الحماية والرعاية، المجتمع الذي استقال الأثرياء فيه من مسؤولياتهم الاجتماعية، المؤسسات الأخرى التي ” قصّرت ” في توجيه الناس، لاسيما الشباب، وفي ترميم ثقتهم بأنفسهم وبالمستقبل، كل هؤلاء ومعهم ” النخب” التي انشغلت بأولوياتها على حساب قضايا الناس وهمومهم، يتحملون المسؤولية، وجزءاً من إثم جرائم الانتحار أيضا.
في بلدنا، حسب الدراسات والإحصائيات، يعاني نحو 20 % من الأردنيين من اضطرابات نفسية ( مليون و750 ألفا )، وعلى الرغم من إطلاق خطة العمل الوطنية للصحة النفسية (2018 – 2020) فإن الانفاق على الصحة النفسية أقل من 3 % من الانفاق على الطبابة العامة، فيما توفر وزارة الصحة نحو 65 عيادة نفسية فقط، ولا يختلف الحال في القطاع الخاص، حيث ان معظم شركات التأمين لا تغطي المعالجات النفسية للمشتركين، كما أن أسعار الكشفيات والأدوية مرتفعة في الغالب.
أشرت للجانب النفسي كأحد الاسباب المهمة للجنوح نحو الانتحار، لكن ثمة أسباب أخرى تعكسها تقارير حالة بلدنا الاقتصادية، وهي مفجعة ومقلقة جدا ( الفقر والبطالة خاصة في ظل تمدد كورونا) كما تعكسها التحولات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع، وأهمها بروز نزعة الانتقام داخل المجتمع، زد على ذلك تصاعد حدة ” التنمر” الإداري من قبل بعض المسؤولين في الجهات الرسمية وغير الرسمية ضد المواطنين (ازالة البسطات، او الفصل التعسفي من العمل مثلا)، ثم الاستهانة بقضايا الناس ومشكلاتهم، بل و” إهانة” المجتمع بشكل عام من خلال استفزازه بمقررات خاطئة او بتصريحات غير لائقة.
المؤسف في المشهد أنه على الرغم من تصاعد اعداد المتنمرين، ما نزال عاجزين أو ” غير مبالين” لخطورة تحول الانتحار إلى ظاهرة، أو المنتحرين إلى نماذج ملهمة لآخرين ضاقت بهم دروب الحياة فآثروا عليها راحة الموت، والمؤسف اكثر أن أحدا من المسؤولين لم يتحرك، باستثناء علمائنا الأجلاء الذين قاموا بواجبهم، بالتأكيد على أن الانتحار “حرام”، فيما ظلت “لواقطنا” السياسية خارج التغطية، تماما كما كانت حين خرج الناس للمطالبة بتحسين أوضاعهم، ما يعني ان صرخات الانتحار ستظل تتردد في فضائنا العام، وتصطدم بذاكرة شعبية متعبة، او بمطابخ قرارات لا علاقة في الغالب لها بما يحدث في المجتمع.
آخر صرخة ” انتحار” وصلتنا أمس الأول من رجل في الاربعينيات من العمر، أضرم النار في جسده، ثم القى بنفسه من فوق الجسور العشرة في عمان، هذه الحادثة بالطبع ليست “استثنائية”، فقد شهدنا على مدى السنوات الماضية تصاعداً لافتاً في حالات الانتحار (677 حاله بين 2016 – 2020)، وفي العام الماضي فقط، تم تسجيل 169 حادثة، عدا عن محاولات الانتحار التي فشل أصحابها في انهاء حياتهم، او تدخل آخرون لمنعهم من ذلك.
لا يمكن لأي عاقل أن يقبل الانتحار او أن يبرره، لكن من واجبنا أن نسأل: لماذا ينتحر هؤلاء المواطنون، وما هي الاسباب التي تدفعهم إلى اختيار الموت والخلاص من الحياة، أليست صرخة الانتحار هي أقسى وأبلغ صرخة “احتجاج ” يمكن للإنسان أن يسمعها في أي مجتمع من المجتمعات؟
قلت: ” احتجاج”، وفي ذاكرتي قصص كثيرة لأشخاص دفعتهم ظروف الحياة القاسية إلى الانتحار، الشاب اليتيم الذي سكب البنزين على جسده ثم أشعل النار بنفسه أمام وزارة التنمية الاجتماعية، الآخر الذي أحرق نفسه أيضا أمام شركة الكهرباء بعد فصله من العمل، ثم الاخير الذي قفز محترقا من فوق الجسور العشرة بعد أن وجد نفسه بدون ” بسطة” يسترزق منها والدائنون يلحون عليه بالسداد، وقصص أخرى بالعشرات تصب في دائرة سؤال جارح ومحزن وضروري، وهو : لماذا ينتحرون؟ هذا الذي لم نتحرك للإجابة عنه بالشكل الصحيح.
هل وصل بعض الناس في بلدنا إلى هذه الدرجة من اليأس والإحباط، حتى أصبح ” الانتحار” هو البوابة الوحيدة لديهم للهروب من واقعهم ومشكلاتهم المستعصية؟ إذا كان ذلك صحيحا، فإننا جميعا مسؤولون عنهم، الحكومات التي أصمّت آذانها عن الاستماع لمطالب الناس وأنينهم، ولم تقم بواجبها في الحماية والرعاية، المجتمع الذي استقال الأثرياء فيه من مسؤولياتهم الاجتماعية، المؤسسات الأخرى التي ” قصّرت ” في توجيه الناس، لاسيما الشباب، وفي ترميم ثقتهم بأنفسهم وبالمستقبل، كل هؤلاء ومعهم ” النخب” التي انشغلت بأولوياتها على حساب قضايا الناس وهمومهم، يتحملون المسؤولية، وجزءاً من إثم جرائم الانتحار أيضا.
في بلدنا، حسب الدراسات والإحصائيات، يعاني نحو 20 % من الأردنيين من اضطرابات نفسية ( مليون و750 ألفا )، وعلى الرغم من إطلاق خطة العمل الوطنية للصحة النفسية (2018 – 2020) فإن الانفاق على الصحة النفسية أقل من 3 % من الانفاق على الطبابة العامة، فيما توفر وزارة الصحة نحو 65 عيادة نفسية فقط، ولا يختلف الحال في القطاع الخاص، حيث ان معظم شركات التأمين لا تغطي المعالجات النفسية للمشتركين، كما أن أسعار الكشفيات والأدوية مرتفعة في الغالب.
أشرت للجانب النفسي كأحد الاسباب المهمة للجنوح نحو الانتحار، لكن ثمة أسباب أخرى تعكسها تقارير حالة بلدنا الاقتصادية، وهي مفجعة ومقلقة جدا ( الفقر والبطالة خاصة في ظل تمدد كورونا) كما تعكسها التحولات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع، وأهمها بروز نزعة الانتقام داخل المجتمع، زد على ذلك تصاعد حدة ” التنمر” الإداري من قبل بعض المسؤولين في الجهات الرسمية وغير الرسمية ضد المواطنين (ازالة البسطات، او الفصل التعسفي من العمل مثلا)، ثم الاستهانة بقضايا الناس ومشكلاتهم، بل و” إهانة” المجتمع بشكل عام من خلال استفزازه بمقررات خاطئة او بتصريحات غير لائقة.
المؤسف في المشهد أنه على الرغم من تصاعد اعداد المتنمرين، ما نزال عاجزين أو ” غير مبالين” لخطورة تحول الانتحار إلى ظاهرة، أو المنتحرين إلى نماذج ملهمة لآخرين ضاقت بهم دروب الحياة فآثروا عليها راحة الموت، والمؤسف اكثر أن أحدا من المسؤولين لم يتحرك، باستثناء علمائنا الأجلاء الذين قاموا بواجبهم، بالتأكيد على أن الانتحار “حرام”، فيما ظلت “لواقطنا” السياسية خارج التغطية، تماما كما كانت حين خرج الناس للمطالبة بتحسين أوضاعهم، ما يعني ان صرخات الانتحار ستظل تتردد في فضائنا العام، وتصطدم بذاكرة شعبية متعبة، او بمطابخ قرارات لا علاقة في الغالب لها بما يحدث في المجتمع.
آخر صرخة ” انتحار” وصلتنا أمس الأول من رجل في الاربعينيات من العمر، أضرم النار في جسده، ثم القى بنفسه من فوق الجسور العشرة في عمان، هذه الحادثة بالطبع ليست “استثنائية”، فقد شهدنا على مدى السنوات الماضية تصاعداً لافتاً في حالات الانتحار (677 حاله بين 2016 – 2020)، وفي العام الماضي فقط، تم تسجيل 169 حادثة، عدا عن محاولات الانتحار التي فشل أصحابها في انهاء حياتهم، او تدخل آخرون لمنعهم من ذلك.
لا يمكن لأي عاقل أن يقبل الانتحار او أن يبرره، لكن من واجبنا أن نسأل: لماذا ينتحر هؤلاء المواطنون، وما هي الاسباب التي تدفعهم إلى اختيار الموت والخلاص من الحياة، أليست صرخة الانتحار هي أقسى وأبلغ صرخة “احتجاج ” يمكن للإنسان أن يسمعها في أي مجتمع من المجتمعات؟
قلت: ” احتجاج”، وفي ذاكرتي قصص كثيرة لأشخاص دفعتهم ظروف الحياة القاسية إلى الانتحار، الشاب اليتيم الذي سكب البنزين على جسده ثم أشعل النار بنفسه أمام وزارة التنمية الاجتماعية، الآخر الذي أحرق نفسه أيضا أمام شركة الكهرباء بعد فصله من العمل، ثم الاخير الذي قفز محترقا من فوق الجسور العشرة بعد أن وجد نفسه بدون ” بسطة” يسترزق منها والدائنون يلحون عليه بالسداد، وقصص أخرى بالعشرات تصب في دائرة سؤال جارح ومحزن وضروري، وهو : لماذا ينتحرون؟ هذا الذي لم نتحرك للإجابة عنه بالشكل الصحيح.
هل وصل بعض الناس في بلدنا إلى هذه الدرجة من اليأس والإحباط، حتى أصبح ” الانتحار” هو البوابة الوحيدة لديهم للهروب من واقعهم ومشكلاتهم المستعصية؟ إذا كان ذلك صحيحا، فإننا جميعا مسؤولون عنهم، الحكومات التي أصمّت آذانها عن الاستماع لمطالب الناس وأنينهم، ولم تقم بواجبها في الحماية والرعاية، المجتمع الذي استقال الأثرياء فيه من مسؤولياتهم الاجتماعية، المؤسسات الأخرى التي ” قصّرت ” في توجيه الناس، لاسيما الشباب، وفي ترميم ثقتهم بأنفسهم وبالمستقبل، كل هؤلاء ومعهم ” النخب” التي انشغلت بأولوياتها على حساب قضايا الناس وهمومهم، يتحملون المسؤولية، وجزءاً من إثم جرائم الانتحار أيضا.
في بلدنا، حسب الدراسات والإحصائيات، يعاني نحو 20 % من الأردنيين من اضطرابات نفسية ( مليون و750 ألفا )، وعلى الرغم من إطلاق خطة العمل الوطنية للصحة النفسية (2018 – 2020) فإن الانفاق على الصحة النفسية أقل من 3 % من الانفاق على الطبابة العامة، فيما توفر وزارة الصحة نحو 65 عيادة نفسية فقط، ولا يختلف الحال في القطاع الخاص، حيث ان معظم شركات التأمين لا تغطي المعالجات النفسية للمشتركين، كما أن أسعار الكشفيات والأدوية مرتفعة في الغالب.
أشرت للجانب النفسي كأحد الاسباب المهمة للجنوح نحو الانتحار، لكن ثمة أسباب أخرى تعكسها تقارير حالة بلدنا الاقتصادية، وهي مفجعة ومقلقة جدا ( الفقر والبطالة خاصة في ظل تمدد كورونا) كما تعكسها التحولات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع، وأهمها بروز نزعة الانتقام داخل المجتمع، زد على ذلك تصاعد حدة ” التنمر” الإداري من قبل بعض المسؤولين في الجهات الرسمية وغير الرسمية ضد المواطنين (ازالة البسطات، او الفصل التعسفي من العمل مثلا)، ثم الاستهانة بقضايا الناس ومشكلاتهم، بل و” إهانة” المجتمع بشكل عام من خلال استفزازه بمقررات خاطئة او بتصريحات غير لائقة.
المؤسف في المشهد أنه على الرغم من تصاعد اعداد المتنمرين، ما نزال عاجزين أو ” غير مبالين” لخطورة تحول الانتحار إلى ظاهرة، أو المنتحرين إلى نماذج ملهمة لآخرين ضاقت بهم دروب الحياة فآثروا عليها راحة الموت، والمؤسف اكثر أن أحدا من المسؤولين لم يتحرك، باستثناء علمائنا الأجلاء الذين قاموا بواجبهم، بالتأكيد على أن الانتحار “حرام”، فيما ظلت “لواقطنا” السياسية خارج التغطية، تماما كما كانت حين خرج الناس للمطالبة بتحسين أوضاعهم، ما يعني ان صرخات الانتحار ستظل تتردد في فضائنا العام، وتصطدم بذاكرة شعبية متعبة، او بمطابخ قرارات لا علاقة في الغالب لها بما يحدث في المجتمع.
التعليقات