يقول لك بشكل صريح وواضح لا تصدق ادعاء الناس بالفقر والحاجة، وعليك ان تتأمل عمان مساء لتشاهد ازمة السيارات -رغم غلاء الوقود- واكتظاظ المطاعم والمقاهي بكل هؤلاء.
كثيرا ما تسمع مثل هذا الانطباع، أي ان عمان في الصيف، مشغولة، وهذا دليل على الرخاء، وهذا الكلام غير صحيح اطلاقا، لان الطبقة التي لديها المال لتنفقه قد لا تتجاوز ربع مليون شخص في كل الأردن، وهم من ما تبقى من الطبقة الوسطى واعلاها، او ممن يمولهم المغتربون.
فرق كبير بين الانطباعات، والحقائق، وعمان المحسودة، ليست هي الأردن، برغم ان العيش فيها بات ضنكا في ضنك، أيضا، لكن هناك من يصر على ان الكل يتذمر كذبا، وان هذه مجرد موضة اعتدنا علينا، أي ادعاء الحاجة، وبعضهم يشرب حليب السباع ويقول لك، هل تتذكر قضية البورصات وكيف كشفت ان عشرات الملايين خرجت من تحت بلاط الذين يدعون الفقر، وكانوا يبحثون عن أرباح، حتى تعرضوا الى الاحتيال، والذي يقول هذا الكلام، لا يخبرك ان توفير الف دينار، او الفين بعد ثلاثين سنة عمل، لا يعد مبلغا كبيرا، او ان بيع ذهب الزوجة من اجل الاستثمار في البورصة، لا يعد دليلا على الثراء، وان الاستدانة أيضا للاستثمار ليست دليل رخاء.
الانطباعات في الأردن، تتشكل بطريقة مغايرة للواقع، والأرقام تتحدث بطريقة ثانية، وهذه الأرقام تتحدث عن مديونية الافراد وشراء السيارات والشقق بالديون، وتتحدث أيضا عن البطالة التي وصلت الى خمسين بالمائة، من عمر ثمانية عشر الى أربعة وعشرين، وعن نسب الفقر والجوع، والأرقام ذاتها تتحدث عن ديون المؤسسات والشركات، وعن ديون الحكومة، والغلاء، وأسعار الوقود، ومصاعب التعليم، وارتفاع الرسوم الجامعية، حتى إن عائلات كثيرة لا تتمكن من تعليم اكثر من ابن واحد، وتستدين، او تقترض من اجل تعليم البقية، او تحرمهم من التعليم الجامعي، او تبقى عليهم رسوم، في هذه الجامعة او تلك، وفي حالات يتم حجز شهاداتهم.
معنى الكلام هنا، ان عليك ان تفهم الأردن بطريقة تختلف عن طريقة السائح والزائر، الذي يجمع الانطباعات بالعين المجردة السريعة فقط، دون تدقيق في مجتمع، اغلب دخول من يعملون فيه، حتى الاربعمائة دينار، ونسبة كبيرة بحدود المائتي دينار، وتقاعدات الأغلبية منخفضة جدا، ووراء الأبواب المغلقة، حكايات لا يجرؤ احد على روايتها.
اذهبوا فقط الى قضايا المتعثرين، والمطلوبين للقضاء، وقضايا الشيكات، والموقوفين، وما هو مؤجل لعدة شهور فقط، سيعود ويتفجر في وجوهنا مجددا، وهذه ارقام بحاجة الى تحليل بدلا من إطالة اللسان على مجتمع واتهامه بكونه يكذب، ويمارس الادعاء والشكوى لرد العين .
الوجه الاخر لهذه القصة يتعلق بالأرقام الإيجابية التي تتحدث عن ارتفاع الصادرات، مثلا، والإنتاج في بعض القطاعات، وغير ذلك، اذ هناك من يأتي ليستعمل هذه الأرقام ليقول ان هناك قطاعات ازدهرت، على الرغم من شكوى الناس، واذا كان هذا الكلام صحيحا، فهو يقول ان صاحب القطاع ازدهر، وليس العامل او الموظف، الذي يجهد تحت وطأة التزاماته.
مصيبة الأردن في المستشرقين، الذين يحللون المشهد بناء على الانطباعات، حين يرى ليلة العيد ان العائلات في الأسواق، لكنه لا يسأل كيف قام الاب بتأمين ثمن الملابس، وهل استدان، ولا يسأل صاحب محل الملابس اذا كان البيع كافيا أصلا، لسداد التزاماته، فالكل – عدا المختصين -يخلط بين الانطباعات والواقع، دون ان ننكر هنا، ميل بعضنا الى المباهاة والفخر الزائف، حتى لو كان ذلك على حساب أولويات ثانية، لكنها مباهاة تضلل من يتتبعها، ويظنها دليلا على عافية.
الذي يريد ان يشكل انطباعاته عن الأردن، عليه ان يذهب الى القرى والبوادي والمخيمات والمدن، والى الاحياء، ويجول ويصول، ويسأل ويدقق، وعندها سوف يكتشف ان هناك فقرا يتزايد، وحرمانا في كثير من المواقع، وهو حرمان ليس من حق المستشرقين في هذه البلاد، ان يجملوه ويدعوا انه غير موجود، أو انه يشتد ويهدد البنية الاجتماعية الداخلية، ويصنع الأردن الجديد.
لا يكذب الشعب حين يتذمر، والذي لا يريد ان يعترف بالفقر، عليه ان يجود علينا بسكوته سواء كان سكوته هنا من ذهب او فضة. لا فرق. فالسكوت عبادة في مرات.
ماهر أبو طير
يقول لك بشكل صريح وواضح لا تصدق ادعاء الناس بالفقر والحاجة، وعليك ان تتأمل عمان مساء لتشاهد ازمة السيارات -رغم غلاء الوقود- واكتظاظ المطاعم والمقاهي بكل هؤلاء.
كثيرا ما تسمع مثل هذا الانطباع، أي ان عمان في الصيف، مشغولة، وهذا دليل على الرخاء، وهذا الكلام غير صحيح اطلاقا، لان الطبقة التي لديها المال لتنفقه قد لا تتجاوز ربع مليون شخص في كل الأردن، وهم من ما تبقى من الطبقة الوسطى واعلاها، او ممن يمولهم المغتربون.
فرق كبير بين الانطباعات، والحقائق، وعمان المحسودة، ليست هي الأردن، برغم ان العيش فيها بات ضنكا في ضنك، أيضا، لكن هناك من يصر على ان الكل يتذمر كذبا، وان هذه مجرد موضة اعتدنا علينا، أي ادعاء الحاجة، وبعضهم يشرب حليب السباع ويقول لك، هل تتذكر قضية البورصات وكيف كشفت ان عشرات الملايين خرجت من تحت بلاط الذين يدعون الفقر، وكانوا يبحثون عن أرباح، حتى تعرضوا الى الاحتيال، والذي يقول هذا الكلام، لا يخبرك ان توفير الف دينار، او الفين بعد ثلاثين سنة عمل، لا يعد مبلغا كبيرا، او ان بيع ذهب الزوجة من اجل الاستثمار في البورصة، لا يعد دليلا على الثراء، وان الاستدانة أيضا للاستثمار ليست دليل رخاء.
الانطباعات في الأردن، تتشكل بطريقة مغايرة للواقع، والأرقام تتحدث بطريقة ثانية، وهذه الأرقام تتحدث عن مديونية الافراد وشراء السيارات والشقق بالديون، وتتحدث أيضا عن البطالة التي وصلت الى خمسين بالمائة، من عمر ثمانية عشر الى أربعة وعشرين، وعن نسب الفقر والجوع، والأرقام ذاتها تتحدث عن ديون المؤسسات والشركات، وعن ديون الحكومة، والغلاء، وأسعار الوقود، ومصاعب التعليم، وارتفاع الرسوم الجامعية، حتى إن عائلات كثيرة لا تتمكن من تعليم اكثر من ابن واحد، وتستدين، او تقترض من اجل تعليم البقية، او تحرمهم من التعليم الجامعي، او تبقى عليهم رسوم، في هذه الجامعة او تلك، وفي حالات يتم حجز شهاداتهم.
معنى الكلام هنا، ان عليك ان تفهم الأردن بطريقة تختلف عن طريقة السائح والزائر، الذي يجمع الانطباعات بالعين المجردة السريعة فقط، دون تدقيق في مجتمع، اغلب دخول من يعملون فيه، حتى الاربعمائة دينار، ونسبة كبيرة بحدود المائتي دينار، وتقاعدات الأغلبية منخفضة جدا، ووراء الأبواب المغلقة، حكايات لا يجرؤ احد على روايتها.
اذهبوا فقط الى قضايا المتعثرين، والمطلوبين للقضاء، وقضايا الشيكات، والموقوفين، وما هو مؤجل لعدة شهور فقط، سيعود ويتفجر في وجوهنا مجددا، وهذه ارقام بحاجة الى تحليل بدلا من إطالة اللسان على مجتمع واتهامه بكونه يكذب، ويمارس الادعاء والشكوى لرد العين .
الوجه الاخر لهذه القصة يتعلق بالأرقام الإيجابية التي تتحدث عن ارتفاع الصادرات، مثلا، والإنتاج في بعض القطاعات، وغير ذلك، اذ هناك من يأتي ليستعمل هذه الأرقام ليقول ان هناك قطاعات ازدهرت، على الرغم من شكوى الناس، واذا كان هذا الكلام صحيحا، فهو يقول ان صاحب القطاع ازدهر، وليس العامل او الموظف، الذي يجهد تحت وطأة التزاماته.
مصيبة الأردن في المستشرقين، الذين يحللون المشهد بناء على الانطباعات، حين يرى ليلة العيد ان العائلات في الأسواق، لكنه لا يسأل كيف قام الاب بتأمين ثمن الملابس، وهل استدان، ولا يسأل صاحب محل الملابس اذا كان البيع كافيا أصلا، لسداد التزاماته، فالكل – عدا المختصين -يخلط بين الانطباعات والواقع، دون ان ننكر هنا، ميل بعضنا الى المباهاة والفخر الزائف، حتى لو كان ذلك على حساب أولويات ثانية، لكنها مباهاة تضلل من يتتبعها، ويظنها دليلا على عافية.
الذي يريد ان يشكل انطباعاته عن الأردن، عليه ان يذهب الى القرى والبوادي والمخيمات والمدن، والى الاحياء، ويجول ويصول، ويسأل ويدقق، وعندها سوف يكتشف ان هناك فقرا يتزايد، وحرمانا في كثير من المواقع، وهو حرمان ليس من حق المستشرقين في هذه البلاد، ان يجملوه ويدعوا انه غير موجود، أو انه يشتد ويهدد البنية الاجتماعية الداخلية، ويصنع الأردن الجديد.
لا يكذب الشعب حين يتذمر، والذي لا يريد ان يعترف بالفقر، عليه ان يجود علينا بسكوته سواء كان سكوته هنا من ذهب او فضة. لا فرق. فالسكوت عبادة في مرات.
ماهر أبو طير
يقول لك بشكل صريح وواضح لا تصدق ادعاء الناس بالفقر والحاجة، وعليك ان تتأمل عمان مساء لتشاهد ازمة السيارات -رغم غلاء الوقود- واكتظاظ المطاعم والمقاهي بكل هؤلاء.
كثيرا ما تسمع مثل هذا الانطباع، أي ان عمان في الصيف، مشغولة، وهذا دليل على الرخاء، وهذا الكلام غير صحيح اطلاقا، لان الطبقة التي لديها المال لتنفقه قد لا تتجاوز ربع مليون شخص في كل الأردن، وهم من ما تبقى من الطبقة الوسطى واعلاها، او ممن يمولهم المغتربون.
فرق كبير بين الانطباعات، والحقائق، وعمان المحسودة، ليست هي الأردن، برغم ان العيش فيها بات ضنكا في ضنك، أيضا، لكن هناك من يصر على ان الكل يتذمر كذبا، وان هذه مجرد موضة اعتدنا علينا، أي ادعاء الحاجة، وبعضهم يشرب حليب السباع ويقول لك، هل تتذكر قضية البورصات وكيف كشفت ان عشرات الملايين خرجت من تحت بلاط الذين يدعون الفقر، وكانوا يبحثون عن أرباح، حتى تعرضوا الى الاحتيال، والذي يقول هذا الكلام، لا يخبرك ان توفير الف دينار، او الفين بعد ثلاثين سنة عمل، لا يعد مبلغا كبيرا، او ان بيع ذهب الزوجة من اجل الاستثمار في البورصة، لا يعد دليلا على الثراء، وان الاستدانة أيضا للاستثمار ليست دليل رخاء.
الانطباعات في الأردن، تتشكل بطريقة مغايرة للواقع، والأرقام تتحدث بطريقة ثانية، وهذه الأرقام تتحدث عن مديونية الافراد وشراء السيارات والشقق بالديون، وتتحدث أيضا عن البطالة التي وصلت الى خمسين بالمائة، من عمر ثمانية عشر الى أربعة وعشرين، وعن نسب الفقر والجوع، والأرقام ذاتها تتحدث عن ديون المؤسسات والشركات، وعن ديون الحكومة، والغلاء، وأسعار الوقود، ومصاعب التعليم، وارتفاع الرسوم الجامعية، حتى إن عائلات كثيرة لا تتمكن من تعليم اكثر من ابن واحد، وتستدين، او تقترض من اجل تعليم البقية، او تحرمهم من التعليم الجامعي، او تبقى عليهم رسوم، في هذه الجامعة او تلك، وفي حالات يتم حجز شهاداتهم.
معنى الكلام هنا، ان عليك ان تفهم الأردن بطريقة تختلف عن طريقة السائح والزائر، الذي يجمع الانطباعات بالعين المجردة السريعة فقط، دون تدقيق في مجتمع، اغلب دخول من يعملون فيه، حتى الاربعمائة دينار، ونسبة كبيرة بحدود المائتي دينار، وتقاعدات الأغلبية منخفضة جدا، ووراء الأبواب المغلقة، حكايات لا يجرؤ احد على روايتها.
اذهبوا فقط الى قضايا المتعثرين، والمطلوبين للقضاء، وقضايا الشيكات، والموقوفين، وما هو مؤجل لعدة شهور فقط، سيعود ويتفجر في وجوهنا مجددا، وهذه ارقام بحاجة الى تحليل بدلا من إطالة اللسان على مجتمع واتهامه بكونه يكذب، ويمارس الادعاء والشكوى لرد العين .
الوجه الاخر لهذه القصة يتعلق بالأرقام الإيجابية التي تتحدث عن ارتفاع الصادرات، مثلا، والإنتاج في بعض القطاعات، وغير ذلك، اذ هناك من يأتي ليستعمل هذه الأرقام ليقول ان هناك قطاعات ازدهرت، على الرغم من شكوى الناس، واذا كان هذا الكلام صحيحا، فهو يقول ان صاحب القطاع ازدهر، وليس العامل او الموظف، الذي يجهد تحت وطأة التزاماته.
مصيبة الأردن في المستشرقين، الذين يحللون المشهد بناء على الانطباعات، حين يرى ليلة العيد ان العائلات في الأسواق، لكنه لا يسأل كيف قام الاب بتأمين ثمن الملابس، وهل استدان، ولا يسأل صاحب محل الملابس اذا كان البيع كافيا أصلا، لسداد التزاماته، فالكل – عدا المختصين -يخلط بين الانطباعات والواقع، دون ان ننكر هنا، ميل بعضنا الى المباهاة والفخر الزائف، حتى لو كان ذلك على حساب أولويات ثانية، لكنها مباهاة تضلل من يتتبعها، ويظنها دليلا على عافية.
الذي يريد ان يشكل انطباعاته عن الأردن، عليه ان يذهب الى القرى والبوادي والمخيمات والمدن، والى الاحياء، ويجول ويصول، ويسأل ويدقق، وعندها سوف يكتشف ان هناك فقرا يتزايد، وحرمانا في كثير من المواقع، وهو حرمان ليس من حق المستشرقين في هذه البلاد، ان يجملوه ويدعوا انه غير موجود، أو انه يشتد ويهدد البنية الاجتماعية الداخلية، ويصنع الأردن الجديد.
لا يكذب الشعب حين يتذمر، والذي لا يريد ان يعترف بالفقر، عليه ان يجود علينا بسكوته سواء كان سكوته هنا من ذهب او فضة. لا فرق. فالسكوت عبادة في مرات.
التعليقات