يعد عصير (شربت) زبيب الحاج زبالة، أو ما يعرف اليوم باسم مرطبات الحاج زبالة واحدا من أشهر المحال التجارية التي تصنع الزبيب وأقدمها في بغداد، فيه عبق الماضي وواقع الحاضر، وما زال المحل محافظا على طرازه التراثي البغدادي وعلى رواده الذين لا ينقطعون عنه رغم كل الظروف التي عصفت بالبلاد.
يقول الحاج محمد عبد نجل الحاج زبالة وهو رجل سبعيني، يجلس عادة في زاوية إعداد العصير، إن تاريخ افتتاح المحل يعود إلى أواخر سنوات العهد العثماني فقد أسس عام 1900، وكانت بداية تأسيسه في منطقة الكرخ، ومن ثم انتقل لمكانه الحالي منذ عام 1912، أي قبل الاحتلال البريطاني للعراق بنحو عامين، وهو قريب من السراي الحكومي القديم ووزارة الدفاع وساعة القشلة وساحة الميدان، عند مدخل شارع الرشيد الأثري.
وعلى جدران المحل الذي يعتز أصحابه باسمه اللافت، علقت عشرات من الصور باللونين الأبيض والأسود، بينها صورة مؤسس المحل الحاج زبالة الذي يحمل اسمه، ويبدو في الصورة وهو يبتسم نصف ابتسامة، وتروي بقية الصور قصة عمل هذه العائلة الذي بدأ مطلع القرن العشرين.
ويشير الحاج محمد نجل الحاج زبالة، إلى أن الاسم الحقيقي للحاج زبالة هو (عبد الغفور)، ولكن اسم زبالة جاء بسبب أن والدته (جدة المتحدث) لا يعيش لها أولاد، وقد أطلقت عليه هذا الاسم لكي يعيش، طبقا للأعراف والمعتقدات السائدة آنذاك وربما حتى الآن، وهو مثبت بهوية الأحوال المدنية (عبد الغفور) وهو من مواليد بغداد أواخر القرن الـ19.
ويروي الحاج محمد في حديث مطول أن شارع الرشيد كان عبارة عن سوق آنذاك وله فروع تمتد وتصل بمحلة الشيخ عمر مرورا بشارع الملكة عالية، والذي يسمى اليوم بشارع الجمهورية الذي يقع فيه سوق الشورجة الكبير، وكان جسر الجمهورية يسمى جسر عالية قبل انقلاب عام 1958، الذي أطاح بالنظام الملكي وأعلن الجمهورية حيث تغيرت الكثير من المسميات، فيما كان يعرف شارع الرشيد بجادة خليل باشا، بحسب الجزيرة.
ملوك ورؤساء وزعماء
يقول الحاج محمد إن ملوك ورؤساء العراق بالتعاقب دأبوا على تناول شراب زبيب الحاج زبالة بدءا بمؤسس الدولة العراقية الملك فيصل الأول (من 1921- 1933)، ومن بعده ولده الملك غازي (حكم من 1933 – 1939) ومن ثم الملك فيصل الثاني (1939 – 1958)، وكذلك الوصي على العرش عبد الإله ورئيس الوزراء لدورات متعددة الباشا نوري السعيد (الحقبة الملكية 1921- 1958)، في حين كانت الملكة عالية، والدة الملك فيصل الثاني، ترسل سائقها الشخصي ليشتري لها الشراب، وكان الملك غازي الأكثر حضورا للمحل ليتذوق شراب الزبيب، أما رئيس الوزراء في العهد الملكي نوري السعيد فقد دأب على الحضور بنفسه بشكل شبه يومي، وفي حال عدم حضوره يرسل سائقه لإحضار العصير إلى السراي الحكومي.
ويتابع محمد أن "الرؤساء في العهد الجمهوري جميعهم زاروا المحل، خاصة رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم (حكم من 1958 إلى 1963) الذي كان حريصا على أن يترجل من سيارته قبل الذهاب إلى وزارة الدفاع لتناول العصير، وكذا الحال مع الرئيس عبد السلام عارف (حكم من 1963- 1966)، ومن بعده شقيقه الرئيس عبد الرحمن عارف (حكم من 1966-1968)، وكذا الحال مع السفراء وأعضاء البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية، وكذلك أصحاب الفكر والمعارف والشعراء والأدباء، فضلا عن السياح الذين زاروا العراق في أوقات متفاوتة".
كما يشير الحاج محمد إلى أن" الرئيس أحمد حسن البكر (حكم من 1968-1979) كان يأتي لشراب العصير، وفي أحيان أخرى يرسل سائقه، وكذا الحال مع الرئيس صدام حسين (حكم من 1979-2003) الذي جاء إلى المحل برفقة ملك الأردن الحسين بن طلال والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات إبان القمة العربية التي عقدت عام 1990 في بغداد، ومن بعدها برفقة الرئيس المصري محمد حسني مبارك الذي زار العراق في شهر يوليو/تموز من نفس العام لإقناع صدام بالعدول عن خطة غزو الكويت".
ويوضح أن "من بين الملوك والزعماء العرب الذين زاروا المحل وتذوقوا شراب الزبيب الخالص برفقة الزعيم عبد الكريم قاسم، ملك المغرب محمد الخامس حين زار العراق عام 1960، وكذلك الرئيس الجزائري أحمد بن بلة حين زار العراق عام 1962".
ويؤكد محمد أن الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني كان برفقة زوجته السيدة هيرو في نادي الصيد غربي بغداد عام 2005، وأرسل سائقه إلى محل الحاج زبالة لشراء عصير الزبيب.
ما الذي يميزه
وردا على سؤال عما يميز عصير الحاج زبالة، يقول الحاج محمد إنه عصير خالص ومن دون نكهات أو مطيبات عدا السكر، "فضلا عن نوعية الزبيب المستخدم والذي نحصل عليه في الغالب من إقليم كردستان العراق، وكذلك نستورده من بعض الدول الآسيوية مثل أفغانستان وباكستان، ثم نقوم بعصره بمعصرة خاصة في المحل، وأحيانا نخلط معه ثمار العنب المجفف مع بذور النعناع المجفف وحسب رغبة الزبون، ثم نقوم بخلطهما سويا بخلاطات خاصة، بعدها تخمر الخلطة لمدة يوم كامل، وبعد ذلك يُصفّى المزيج بطرق يدوية، ويضاف إليه قليل من السكر، ثم يعبأ في القناني والأكياس ويباع في المحل"، مشيرا إلى أن سعر القدح الواحد ألف دينار، أي ما يعادل أقل من نصف دولار.
وعصير الزبيب كما هو متعارف له فوائد صحية جمة، منها أنه يقي من الأمراض الخطيرة كأمراض القلب والشرايين والكليتين والجهاز الهضمي والدورة الدموية، مثلما هو شراب منعش، ويكون أول الحاضرين على موائد شهر رمضان.
ويؤكد الحاج محمد أن جائحة كورونا أثرت بشكل كبير على إقبال الزبائن، بسبب كثرة فرض حظر التجول وغلق شارعي الرشيد والمتنبي، وكنا نضطر لغلق المحل لأسابيع خاصة في بداية الجائحة، فيما يشهد يوم الجمعة من كل أسبوع كثرة عدد الزوار خاصة من المثقفين الذين يزورون شارع المتنبي من النساء والرجال، منوها إلى أن في فصل الصيف يزداد عدد زواد المحل، بسبب صيف العراق القائظ وحاجة الإنسان إلى العصائر.
ويختتم الحاج محمد حديثه بأن "شربت" الحاج زبالة شهد تاريخا حافلا من الأحداث والمتغيرات منذ تأسيسه عام 1900، أي ما يزيد على القرن من الزمن وحتى اليوم، وهو يفتخر بتزيين جدرانه بمعظم صور زواره وصور الشخصيات العامة البارزة في تاريخ العراق.
ولعل من يتردد على المحل يلاحظ بشكل جلي الصور المعلقة على جدران المحل، والذي يمثل ولع عائلة الحاج زبالة بالماضي وبالتراث، حيث تعلق العشرات من الصور باللونين الأبيض والأسود موزعة على جدران المحل بشكل منظم.
تراث بغدادي
من جهته، يؤكد الباحث في تاريخ وتراث بغداد القديمة نبيل عبد الكريم الحسناوي أن شربت الحاج زبالة ضمن التراث البغدادي، حيث افتتح في منطقة الكرخ صيف عام 1900 لبيع الشربت اللذيذ المصنوع من الزبيب الأسود مع الجبن والخبز آنذاك.
ويقول الحسناوي إن "المحل باشر عمله بعد انتقاله من منطقة الكرخ إلى ساحة المأمون والتي تعرف اليوم بساحة الرصافي، ومن ثم انتقل إلى مكانه الحالي عام 1912، في بناية شماش مقابل جامع الحيدر خانة الأثري، مدخل شارع خليل باشا أي شارع الرشيد حاليا"، مشيرا إلى أن المحل يمثل معلما تراثيا بغداديا أصيلا، بتاريخه وشهرته، وكان محطة استراحة واسترخاء الملوك والرؤساء العراقيين والعرب، وما زال وهاجا يرتاده الكثير من محبي التراث وتاريخ بغداد الزاهر، وتعشقه الناس لعراقته ولإرثه الحضاري، وهو باق رغم عاديات الزمن ومتغيراته الساحقة ومحاولات هدم الموروث".
أما الباحث في التراث البغدادي عادل العرداوي فيرى أن مرطبات الحاج زبالة وما يحيطها من تراث بغدادي أصيل يمثل قلب بغداد النابض، لكن للأسف تعاني من الإهمال وهي بحاجة إلى اهتمام وتطوير، وجهد حكومي لأنها مسؤولية عامة وليست مسؤولية تتعلق بجهود أمانة بغداد فقط، ومحل الحاج زبالة الذي تأسس مطلع القرن الـ20 هو معلم تراثي مهم.
ويقول العرداوي إن "المنطقة التي تبدأ من باب المعظم وحتى الباب الشرقي وسط بغداد، والتي تمثل 4 شوارع هي شارع الرشيد والجمهورية والكفاح والشيخ عمر، هي محمية تراثية بحاجة إلى المزيد من الاهتمام".
يعد عصير (شربت) زبيب الحاج زبالة، أو ما يعرف اليوم باسم مرطبات الحاج زبالة واحدا من أشهر المحال التجارية التي تصنع الزبيب وأقدمها في بغداد، فيه عبق الماضي وواقع الحاضر، وما زال المحل محافظا على طرازه التراثي البغدادي وعلى رواده الذين لا ينقطعون عنه رغم كل الظروف التي عصفت بالبلاد.
يقول الحاج محمد عبد نجل الحاج زبالة وهو رجل سبعيني، يجلس عادة في زاوية إعداد العصير، إن تاريخ افتتاح المحل يعود إلى أواخر سنوات العهد العثماني فقد أسس عام 1900، وكانت بداية تأسيسه في منطقة الكرخ، ومن ثم انتقل لمكانه الحالي منذ عام 1912، أي قبل الاحتلال البريطاني للعراق بنحو عامين، وهو قريب من السراي الحكومي القديم ووزارة الدفاع وساعة القشلة وساحة الميدان، عند مدخل شارع الرشيد الأثري.
وعلى جدران المحل الذي يعتز أصحابه باسمه اللافت، علقت عشرات من الصور باللونين الأبيض والأسود، بينها صورة مؤسس المحل الحاج زبالة الذي يحمل اسمه، ويبدو في الصورة وهو يبتسم نصف ابتسامة، وتروي بقية الصور قصة عمل هذه العائلة الذي بدأ مطلع القرن العشرين.
ويشير الحاج محمد نجل الحاج زبالة، إلى أن الاسم الحقيقي للحاج زبالة هو (عبد الغفور)، ولكن اسم زبالة جاء بسبب أن والدته (جدة المتحدث) لا يعيش لها أولاد، وقد أطلقت عليه هذا الاسم لكي يعيش، طبقا للأعراف والمعتقدات السائدة آنذاك وربما حتى الآن، وهو مثبت بهوية الأحوال المدنية (عبد الغفور) وهو من مواليد بغداد أواخر القرن الـ19.
ويروي الحاج محمد في حديث مطول أن شارع الرشيد كان عبارة عن سوق آنذاك وله فروع تمتد وتصل بمحلة الشيخ عمر مرورا بشارع الملكة عالية، والذي يسمى اليوم بشارع الجمهورية الذي يقع فيه سوق الشورجة الكبير، وكان جسر الجمهورية يسمى جسر عالية قبل انقلاب عام 1958، الذي أطاح بالنظام الملكي وأعلن الجمهورية حيث تغيرت الكثير من المسميات، فيما كان يعرف شارع الرشيد بجادة خليل باشا، بحسب الجزيرة.
ملوك ورؤساء وزعماء
يقول الحاج محمد إن ملوك ورؤساء العراق بالتعاقب دأبوا على تناول شراب زبيب الحاج زبالة بدءا بمؤسس الدولة العراقية الملك فيصل الأول (من 1921- 1933)، ومن بعده ولده الملك غازي (حكم من 1933 – 1939) ومن ثم الملك فيصل الثاني (1939 – 1958)، وكذلك الوصي على العرش عبد الإله ورئيس الوزراء لدورات متعددة الباشا نوري السعيد (الحقبة الملكية 1921- 1958)، في حين كانت الملكة عالية، والدة الملك فيصل الثاني، ترسل سائقها الشخصي ليشتري لها الشراب، وكان الملك غازي الأكثر حضورا للمحل ليتذوق شراب الزبيب، أما رئيس الوزراء في العهد الملكي نوري السعيد فقد دأب على الحضور بنفسه بشكل شبه يومي، وفي حال عدم حضوره يرسل سائقه لإحضار العصير إلى السراي الحكومي.
ويتابع محمد أن "الرؤساء في العهد الجمهوري جميعهم زاروا المحل، خاصة رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم (حكم من 1958 إلى 1963) الذي كان حريصا على أن يترجل من سيارته قبل الذهاب إلى وزارة الدفاع لتناول العصير، وكذا الحال مع الرئيس عبد السلام عارف (حكم من 1963- 1966)، ومن بعده شقيقه الرئيس عبد الرحمن عارف (حكم من 1966-1968)، وكذا الحال مع السفراء وأعضاء البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية، وكذلك أصحاب الفكر والمعارف والشعراء والأدباء، فضلا عن السياح الذين زاروا العراق في أوقات متفاوتة".
كما يشير الحاج محمد إلى أن" الرئيس أحمد حسن البكر (حكم من 1968-1979) كان يأتي لشراب العصير، وفي أحيان أخرى يرسل سائقه، وكذا الحال مع الرئيس صدام حسين (حكم من 1979-2003) الذي جاء إلى المحل برفقة ملك الأردن الحسين بن طلال والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات إبان القمة العربية التي عقدت عام 1990 في بغداد، ومن بعدها برفقة الرئيس المصري محمد حسني مبارك الذي زار العراق في شهر يوليو/تموز من نفس العام لإقناع صدام بالعدول عن خطة غزو الكويت".
ويوضح أن "من بين الملوك والزعماء العرب الذين زاروا المحل وتذوقوا شراب الزبيب الخالص برفقة الزعيم عبد الكريم قاسم، ملك المغرب محمد الخامس حين زار العراق عام 1960، وكذلك الرئيس الجزائري أحمد بن بلة حين زار العراق عام 1962".
ويؤكد محمد أن الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني كان برفقة زوجته السيدة هيرو في نادي الصيد غربي بغداد عام 2005، وأرسل سائقه إلى محل الحاج زبالة لشراء عصير الزبيب.
ما الذي يميزه
وردا على سؤال عما يميز عصير الحاج زبالة، يقول الحاج محمد إنه عصير خالص ومن دون نكهات أو مطيبات عدا السكر، "فضلا عن نوعية الزبيب المستخدم والذي نحصل عليه في الغالب من إقليم كردستان العراق، وكذلك نستورده من بعض الدول الآسيوية مثل أفغانستان وباكستان، ثم نقوم بعصره بمعصرة خاصة في المحل، وأحيانا نخلط معه ثمار العنب المجفف مع بذور النعناع المجفف وحسب رغبة الزبون، ثم نقوم بخلطهما سويا بخلاطات خاصة، بعدها تخمر الخلطة لمدة يوم كامل، وبعد ذلك يُصفّى المزيج بطرق يدوية، ويضاف إليه قليل من السكر، ثم يعبأ في القناني والأكياس ويباع في المحل"، مشيرا إلى أن سعر القدح الواحد ألف دينار، أي ما يعادل أقل من نصف دولار.
وعصير الزبيب كما هو متعارف له فوائد صحية جمة، منها أنه يقي من الأمراض الخطيرة كأمراض القلب والشرايين والكليتين والجهاز الهضمي والدورة الدموية، مثلما هو شراب منعش، ويكون أول الحاضرين على موائد شهر رمضان.
ويؤكد الحاج محمد أن جائحة كورونا أثرت بشكل كبير على إقبال الزبائن، بسبب كثرة فرض حظر التجول وغلق شارعي الرشيد والمتنبي، وكنا نضطر لغلق المحل لأسابيع خاصة في بداية الجائحة، فيما يشهد يوم الجمعة من كل أسبوع كثرة عدد الزوار خاصة من المثقفين الذين يزورون شارع المتنبي من النساء والرجال، منوها إلى أن في فصل الصيف يزداد عدد زواد المحل، بسبب صيف العراق القائظ وحاجة الإنسان إلى العصائر.
ويختتم الحاج محمد حديثه بأن "شربت" الحاج زبالة شهد تاريخا حافلا من الأحداث والمتغيرات منذ تأسيسه عام 1900، أي ما يزيد على القرن من الزمن وحتى اليوم، وهو يفتخر بتزيين جدرانه بمعظم صور زواره وصور الشخصيات العامة البارزة في تاريخ العراق.
ولعل من يتردد على المحل يلاحظ بشكل جلي الصور المعلقة على جدران المحل، والذي يمثل ولع عائلة الحاج زبالة بالماضي وبالتراث، حيث تعلق العشرات من الصور باللونين الأبيض والأسود موزعة على جدران المحل بشكل منظم.
تراث بغدادي
من جهته، يؤكد الباحث في تاريخ وتراث بغداد القديمة نبيل عبد الكريم الحسناوي أن شربت الحاج زبالة ضمن التراث البغدادي، حيث افتتح في منطقة الكرخ صيف عام 1900 لبيع الشربت اللذيذ المصنوع من الزبيب الأسود مع الجبن والخبز آنذاك.
ويقول الحسناوي إن "المحل باشر عمله بعد انتقاله من منطقة الكرخ إلى ساحة المأمون والتي تعرف اليوم بساحة الرصافي، ومن ثم انتقل إلى مكانه الحالي عام 1912، في بناية شماش مقابل جامع الحيدر خانة الأثري، مدخل شارع خليل باشا أي شارع الرشيد حاليا"، مشيرا إلى أن المحل يمثل معلما تراثيا بغداديا أصيلا، بتاريخه وشهرته، وكان محطة استراحة واسترخاء الملوك والرؤساء العراقيين والعرب، وما زال وهاجا يرتاده الكثير من محبي التراث وتاريخ بغداد الزاهر، وتعشقه الناس لعراقته ولإرثه الحضاري، وهو باق رغم عاديات الزمن ومتغيراته الساحقة ومحاولات هدم الموروث".
أما الباحث في التراث البغدادي عادل العرداوي فيرى أن مرطبات الحاج زبالة وما يحيطها من تراث بغدادي أصيل يمثل قلب بغداد النابض، لكن للأسف تعاني من الإهمال وهي بحاجة إلى اهتمام وتطوير، وجهد حكومي لأنها مسؤولية عامة وليست مسؤولية تتعلق بجهود أمانة بغداد فقط، ومحل الحاج زبالة الذي تأسس مطلع القرن الـ20 هو معلم تراثي مهم.
ويقول العرداوي إن "المنطقة التي تبدأ من باب المعظم وحتى الباب الشرقي وسط بغداد، والتي تمثل 4 شوارع هي شارع الرشيد والجمهورية والكفاح والشيخ عمر، هي محمية تراثية بحاجة إلى المزيد من الاهتمام".
يعد عصير (شربت) زبيب الحاج زبالة، أو ما يعرف اليوم باسم مرطبات الحاج زبالة واحدا من أشهر المحال التجارية التي تصنع الزبيب وأقدمها في بغداد، فيه عبق الماضي وواقع الحاضر، وما زال المحل محافظا على طرازه التراثي البغدادي وعلى رواده الذين لا ينقطعون عنه رغم كل الظروف التي عصفت بالبلاد.
يقول الحاج محمد عبد نجل الحاج زبالة وهو رجل سبعيني، يجلس عادة في زاوية إعداد العصير، إن تاريخ افتتاح المحل يعود إلى أواخر سنوات العهد العثماني فقد أسس عام 1900، وكانت بداية تأسيسه في منطقة الكرخ، ومن ثم انتقل لمكانه الحالي منذ عام 1912، أي قبل الاحتلال البريطاني للعراق بنحو عامين، وهو قريب من السراي الحكومي القديم ووزارة الدفاع وساعة القشلة وساحة الميدان، عند مدخل شارع الرشيد الأثري.
وعلى جدران المحل الذي يعتز أصحابه باسمه اللافت، علقت عشرات من الصور باللونين الأبيض والأسود، بينها صورة مؤسس المحل الحاج زبالة الذي يحمل اسمه، ويبدو في الصورة وهو يبتسم نصف ابتسامة، وتروي بقية الصور قصة عمل هذه العائلة الذي بدأ مطلع القرن العشرين.
ويشير الحاج محمد نجل الحاج زبالة، إلى أن الاسم الحقيقي للحاج زبالة هو (عبد الغفور)، ولكن اسم زبالة جاء بسبب أن والدته (جدة المتحدث) لا يعيش لها أولاد، وقد أطلقت عليه هذا الاسم لكي يعيش، طبقا للأعراف والمعتقدات السائدة آنذاك وربما حتى الآن، وهو مثبت بهوية الأحوال المدنية (عبد الغفور) وهو من مواليد بغداد أواخر القرن الـ19.
ويروي الحاج محمد في حديث مطول أن شارع الرشيد كان عبارة عن سوق آنذاك وله فروع تمتد وتصل بمحلة الشيخ عمر مرورا بشارع الملكة عالية، والذي يسمى اليوم بشارع الجمهورية الذي يقع فيه سوق الشورجة الكبير، وكان جسر الجمهورية يسمى جسر عالية قبل انقلاب عام 1958، الذي أطاح بالنظام الملكي وأعلن الجمهورية حيث تغيرت الكثير من المسميات، فيما كان يعرف شارع الرشيد بجادة خليل باشا، بحسب الجزيرة.
ملوك ورؤساء وزعماء
يقول الحاج محمد إن ملوك ورؤساء العراق بالتعاقب دأبوا على تناول شراب زبيب الحاج زبالة بدءا بمؤسس الدولة العراقية الملك فيصل الأول (من 1921- 1933)، ومن بعده ولده الملك غازي (حكم من 1933 – 1939) ومن ثم الملك فيصل الثاني (1939 – 1958)، وكذلك الوصي على العرش عبد الإله ورئيس الوزراء لدورات متعددة الباشا نوري السعيد (الحقبة الملكية 1921- 1958)، في حين كانت الملكة عالية، والدة الملك فيصل الثاني، ترسل سائقها الشخصي ليشتري لها الشراب، وكان الملك غازي الأكثر حضورا للمحل ليتذوق شراب الزبيب، أما رئيس الوزراء في العهد الملكي نوري السعيد فقد دأب على الحضور بنفسه بشكل شبه يومي، وفي حال عدم حضوره يرسل سائقه لإحضار العصير إلى السراي الحكومي.
ويتابع محمد أن "الرؤساء في العهد الجمهوري جميعهم زاروا المحل، خاصة رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم (حكم من 1958 إلى 1963) الذي كان حريصا على أن يترجل من سيارته قبل الذهاب إلى وزارة الدفاع لتناول العصير، وكذا الحال مع الرئيس عبد السلام عارف (حكم من 1963- 1966)، ومن بعده شقيقه الرئيس عبد الرحمن عارف (حكم من 1966-1968)، وكذا الحال مع السفراء وأعضاء البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية، وكذلك أصحاب الفكر والمعارف والشعراء والأدباء، فضلا عن السياح الذين زاروا العراق في أوقات متفاوتة".
كما يشير الحاج محمد إلى أن" الرئيس أحمد حسن البكر (حكم من 1968-1979) كان يأتي لشراب العصير، وفي أحيان أخرى يرسل سائقه، وكذا الحال مع الرئيس صدام حسين (حكم من 1979-2003) الذي جاء إلى المحل برفقة ملك الأردن الحسين بن طلال والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات إبان القمة العربية التي عقدت عام 1990 في بغداد، ومن بعدها برفقة الرئيس المصري محمد حسني مبارك الذي زار العراق في شهر يوليو/تموز من نفس العام لإقناع صدام بالعدول عن خطة غزو الكويت".
ويوضح أن "من بين الملوك والزعماء العرب الذين زاروا المحل وتذوقوا شراب الزبيب الخالص برفقة الزعيم عبد الكريم قاسم، ملك المغرب محمد الخامس حين زار العراق عام 1960، وكذلك الرئيس الجزائري أحمد بن بلة حين زار العراق عام 1962".
ويؤكد محمد أن الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني كان برفقة زوجته السيدة هيرو في نادي الصيد غربي بغداد عام 2005، وأرسل سائقه إلى محل الحاج زبالة لشراء عصير الزبيب.
ما الذي يميزه
وردا على سؤال عما يميز عصير الحاج زبالة، يقول الحاج محمد إنه عصير خالص ومن دون نكهات أو مطيبات عدا السكر، "فضلا عن نوعية الزبيب المستخدم والذي نحصل عليه في الغالب من إقليم كردستان العراق، وكذلك نستورده من بعض الدول الآسيوية مثل أفغانستان وباكستان، ثم نقوم بعصره بمعصرة خاصة في المحل، وأحيانا نخلط معه ثمار العنب المجفف مع بذور النعناع المجفف وحسب رغبة الزبون، ثم نقوم بخلطهما سويا بخلاطات خاصة، بعدها تخمر الخلطة لمدة يوم كامل، وبعد ذلك يُصفّى المزيج بطرق يدوية، ويضاف إليه قليل من السكر، ثم يعبأ في القناني والأكياس ويباع في المحل"، مشيرا إلى أن سعر القدح الواحد ألف دينار، أي ما يعادل أقل من نصف دولار.
وعصير الزبيب كما هو متعارف له فوائد صحية جمة، منها أنه يقي من الأمراض الخطيرة كأمراض القلب والشرايين والكليتين والجهاز الهضمي والدورة الدموية، مثلما هو شراب منعش، ويكون أول الحاضرين على موائد شهر رمضان.
ويؤكد الحاج محمد أن جائحة كورونا أثرت بشكل كبير على إقبال الزبائن، بسبب كثرة فرض حظر التجول وغلق شارعي الرشيد والمتنبي، وكنا نضطر لغلق المحل لأسابيع خاصة في بداية الجائحة، فيما يشهد يوم الجمعة من كل أسبوع كثرة عدد الزوار خاصة من المثقفين الذين يزورون شارع المتنبي من النساء والرجال، منوها إلى أن في فصل الصيف يزداد عدد زواد المحل، بسبب صيف العراق القائظ وحاجة الإنسان إلى العصائر.
ويختتم الحاج محمد حديثه بأن "شربت" الحاج زبالة شهد تاريخا حافلا من الأحداث والمتغيرات منذ تأسيسه عام 1900، أي ما يزيد على القرن من الزمن وحتى اليوم، وهو يفتخر بتزيين جدرانه بمعظم صور زواره وصور الشخصيات العامة البارزة في تاريخ العراق.
ولعل من يتردد على المحل يلاحظ بشكل جلي الصور المعلقة على جدران المحل، والذي يمثل ولع عائلة الحاج زبالة بالماضي وبالتراث، حيث تعلق العشرات من الصور باللونين الأبيض والأسود موزعة على جدران المحل بشكل منظم.
تراث بغدادي
من جهته، يؤكد الباحث في تاريخ وتراث بغداد القديمة نبيل عبد الكريم الحسناوي أن شربت الحاج زبالة ضمن التراث البغدادي، حيث افتتح في منطقة الكرخ صيف عام 1900 لبيع الشربت اللذيذ المصنوع من الزبيب الأسود مع الجبن والخبز آنذاك.
ويقول الحسناوي إن "المحل باشر عمله بعد انتقاله من منطقة الكرخ إلى ساحة المأمون والتي تعرف اليوم بساحة الرصافي، ومن ثم انتقل إلى مكانه الحالي عام 1912، في بناية شماش مقابل جامع الحيدر خانة الأثري، مدخل شارع خليل باشا أي شارع الرشيد حاليا"، مشيرا إلى أن المحل يمثل معلما تراثيا بغداديا أصيلا، بتاريخه وشهرته، وكان محطة استراحة واسترخاء الملوك والرؤساء العراقيين والعرب، وما زال وهاجا يرتاده الكثير من محبي التراث وتاريخ بغداد الزاهر، وتعشقه الناس لعراقته ولإرثه الحضاري، وهو باق رغم عاديات الزمن ومتغيراته الساحقة ومحاولات هدم الموروث".
أما الباحث في التراث البغدادي عادل العرداوي فيرى أن مرطبات الحاج زبالة وما يحيطها من تراث بغدادي أصيل يمثل قلب بغداد النابض، لكن للأسف تعاني من الإهمال وهي بحاجة إلى اهتمام وتطوير، وجهد حكومي لأنها مسؤولية عامة وليست مسؤولية تتعلق بجهود أمانة بغداد فقط، ومحل الحاج زبالة الذي تأسس مطلع القرن الـ20 هو معلم تراثي مهم.
ويقول العرداوي إن "المنطقة التي تبدأ من باب المعظم وحتى الباب الشرقي وسط بغداد، والتي تمثل 4 شوارع هي شارع الرشيد والجمهورية والكفاح والشيخ عمر، هي محمية تراثية بحاجة إلى المزيد من الاهتمام".
التعليقات