نخسر في العالم العربي صحيفة تلو صحيفة، فالصحافة الورقية مهددة بشدة، بسبب كلف الإنتاج، فنحن أمام صناعة تحت الخطر بكل ما تعنيه الكلمة، بسبب التغيرات في كل العالم.
آخر المعلومات أن مصر أم الصحافة العربية، قررت تحويل ثلاث صحف ورقية هي الاهرام المسائي، الاخبار المسائي، والمساء، الى منصات إلكترونية، مع إبقاء كوادرها، والحفاظ على رواتبهم، والغاية هنا، خفض النفقات، خصوصا، كلف الطباعة الورقية المذهلة والكبيرة.
هذه القصة ليست الأولى، لكنها تعطيك مؤشرا على التغيرات في الإعلام العربي، وقد كنا نرى صحفا تصدر بمائة صفحة في العالم العربي، يوميا، وإذ بها تتراجع تدريجيا، الى ربع ذلك، هذا إذا افترضنا انها قادرة على الصمود أيضا، بسبب كلف الورق، والرواتب، في ظل تراجع الإعلانات، وتغير مواصفات هذه الصناعة، نحو الالكتروني، بما يعنيه ذلك.
التحدي الأساس هنا، هو صناعة المحتوى، فالإعلام العربي لا يصنع المحتوى في اغلبه، بل ان كل المحتوى العربي على الانترنت هو الأقل، عالميا، واذا صنعه فهو اما عبارة عن نشرات رسمية على شكل صحف، او اعلام يفيض بالسلبية واللطم، في ظل غياب فنون العمل الصحفي، من مقالات، وتحليلات، وتحقيقات، ومقابلات ذات قيمة، وعجز بسبب سرعة نقل الاخبار وحرقها عبر التلفزيونات، او المنصات الالكترونية، وعدم القدرة على ابتكار فنون جديدة، لتعويض حرق الاخبار الذي يجري كل دقيقة، حيث لم يعد مطلوبا من الصحف نشر الاخبار، التي يعرفها الجمهور، لحظة وقوعها، فلماذا ينتظرونها مكررة في نسخة ورقية، وهنا فإن الابداع في المحتوى وحده القادر على استرداد القارئ والمعلن معا، وهذه هي الحقيقة.
هذه التحولات كما هو معروف طرأت على سوق الإعلان أيضا، والوكالات الدولية والعربية والمحلية في سوق الإعلان، تركض وراء الجمهور، وهذا الجمهور بات متواجدا على المواقع الالكترونية وصفحات التواصل، فلماذا تستهدفه في النسخ الورقية في العالم العربي؟.
في الأردن، لحقتنا التغيرات بشكل أو آخر، لكن هذه التغيرات، يجب ألا تكون ذريعة لوقف دعم الصحف، بطريقة منطقية، عبر الإعلانات، او خفض الضرائب والجمارك على الورق، وزيادة قيمة الإعلان، وادراك أهمية بقاء الصحف في الأردن، مع التركيز أيضا على معركة المحتوى، حتى يكون الدعم هنا، منطقيا، ومبررا، بمعايير الجمهور والمؤسسات، أيضا، إضافة الى أهمية التأكيد على استعادة دور الصحف، لتكون مؤثرة على الرأي العام، بدلا من إضعافها، وإحلال فوضى التواصل الاجتماعي مكانها، ثم التذمر ليل نهار من هذه الفوضى.
العقد المقبل، حساس وخطير جدا، على وجود الصحف الورقية، التي بإمكانها المواءمة بين النسخ الورقية والمنصات الالكترونية، واحداث تحولات في فنون العمل الصحفي حتى تصمد الصحف في ذهنية الجمهور، وتعزز حاجته اليومية لها، مثلما ان الجانب الأهم يرتبط بالحرفية والمصداقية وارتفاع سقف الحرية والتعبير، والابتعاد عن النفاق وصحافة العلاقات العامة.
المنصات الالكترونية برغم انها تستفيد من الصحافة الورقية، على صعيد المحتوى، الا انها أيضا لديها مشاكلها، لكن تأثيرها يرتبط بسرعة الدخول اليها، وتحديث المعلومات والاخبار، وسباق الانفراد بسبق صحفي من هنا او هناك، كما انها توفر للقارئ، مرحليا، الفرصة للانتقال من منصة الى منصة، دون موانع، وبحيث يتجول المرء على عشرات المنصات يوميا، باشتراك انترنت منخفض، وليس ادل على ذلك من ان الصحافة الالكترونية بقيت قائمة بقوة خلال ازمة كورونا في العالم، التي تعطلت فيها الصحف الورقية.
حين تقرأ خبرا مثل اغلاق صحف مصرية مسائية لها ارثها وتاريخها، تدرك ان القصة ليست مصرية، وحسب، اذ ان مصر من اكثر الدول العربية، دعما للصحافة، وكان الشعب المصري يعد من الأكثر قراءة للصحف مقارنة بشعوب عربية، لكنها قصة التحولات التي بحاجة الى استعداد منذ الآن، حتى لا تجتاح هذه العاصفة الصحافة العربية الورقية المتبقية تدريجيا.
يبقى السؤال، كيف ستبقى الصحافة الورقية في ظل أجيال جديدة تستعمل فقط أجهزة الموبايل الذكية، والتعليم عبر الأون لاين، وأجهزة اللاب توب، ولا قدرة بصرية او ذهنية او يدوية او روتينية لديها على فتح الصحيفة، وتصفحها، والتفاعل مع ما هو منشور فيها؟.
ماهر أبو طير
نخسر في العالم العربي صحيفة تلو صحيفة، فالصحافة الورقية مهددة بشدة، بسبب كلف الإنتاج، فنحن أمام صناعة تحت الخطر بكل ما تعنيه الكلمة، بسبب التغيرات في كل العالم.
آخر المعلومات أن مصر أم الصحافة العربية، قررت تحويل ثلاث صحف ورقية هي الاهرام المسائي، الاخبار المسائي، والمساء، الى منصات إلكترونية، مع إبقاء كوادرها، والحفاظ على رواتبهم، والغاية هنا، خفض النفقات، خصوصا، كلف الطباعة الورقية المذهلة والكبيرة.
هذه القصة ليست الأولى، لكنها تعطيك مؤشرا على التغيرات في الإعلام العربي، وقد كنا نرى صحفا تصدر بمائة صفحة في العالم العربي، يوميا، وإذ بها تتراجع تدريجيا، الى ربع ذلك، هذا إذا افترضنا انها قادرة على الصمود أيضا، بسبب كلف الورق، والرواتب، في ظل تراجع الإعلانات، وتغير مواصفات هذه الصناعة، نحو الالكتروني، بما يعنيه ذلك.
التحدي الأساس هنا، هو صناعة المحتوى، فالإعلام العربي لا يصنع المحتوى في اغلبه، بل ان كل المحتوى العربي على الانترنت هو الأقل، عالميا، واذا صنعه فهو اما عبارة عن نشرات رسمية على شكل صحف، او اعلام يفيض بالسلبية واللطم، في ظل غياب فنون العمل الصحفي، من مقالات، وتحليلات، وتحقيقات، ومقابلات ذات قيمة، وعجز بسبب سرعة نقل الاخبار وحرقها عبر التلفزيونات، او المنصات الالكترونية، وعدم القدرة على ابتكار فنون جديدة، لتعويض حرق الاخبار الذي يجري كل دقيقة، حيث لم يعد مطلوبا من الصحف نشر الاخبار، التي يعرفها الجمهور، لحظة وقوعها، فلماذا ينتظرونها مكررة في نسخة ورقية، وهنا فإن الابداع في المحتوى وحده القادر على استرداد القارئ والمعلن معا، وهذه هي الحقيقة.
هذه التحولات كما هو معروف طرأت على سوق الإعلان أيضا، والوكالات الدولية والعربية والمحلية في سوق الإعلان، تركض وراء الجمهور، وهذا الجمهور بات متواجدا على المواقع الالكترونية وصفحات التواصل، فلماذا تستهدفه في النسخ الورقية في العالم العربي؟.
في الأردن، لحقتنا التغيرات بشكل أو آخر، لكن هذه التغيرات، يجب ألا تكون ذريعة لوقف دعم الصحف، بطريقة منطقية، عبر الإعلانات، او خفض الضرائب والجمارك على الورق، وزيادة قيمة الإعلان، وادراك أهمية بقاء الصحف في الأردن، مع التركيز أيضا على معركة المحتوى، حتى يكون الدعم هنا، منطقيا، ومبررا، بمعايير الجمهور والمؤسسات، أيضا، إضافة الى أهمية التأكيد على استعادة دور الصحف، لتكون مؤثرة على الرأي العام، بدلا من إضعافها، وإحلال فوضى التواصل الاجتماعي مكانها، ثم التذمر ليل نهار من هذه الفوضى.
العقد المقبل، حساس وخطير جدا، على وجود الصحف الورقية، التي بإمكانها المواءمة بين النسخ الورقية والمنصات الالكترونية، واحداث تحولات في فنون العمل الصحفي حتى تصمد الصحف في ذهنية الجمهور، وتعزز حاجته اليومية لها، مثلما ان الجانب الأهم يرتبط بالحرفية والمصداقية وارتفاع سقف الحرية والتعبير، والابتعاد عن النفاق وصحافة العلاقات العامة.
المنصات الالكترونية برغم انها تستفيد من الصحافة الورقية، على صعيد المحتوى، الا انها أيضا لديها مشاكلها، لكن تأثيرها يرتبط بسرعة الدخول اليها، وتحديث المعلومات والاخبار، وسباق الانفراد بسبق صحفي من هنا او هناك، كما انها توفر للقارئ، مرحليا، الفرصة للانتقال من منصة الى منصة، دون موانع، وبحيث يتجول المرء على عشرات المنصات يوميا، باشتراك انترنت منخفض، وليس ادل على ذلك من ان الصحافة الالكترونية بقيت قائمة بقوة خلال ازمة كورونا في العالم، التي تعطلت فيها الصحف الورقية.
حين تقرأ خبرا مثل اغلاق صحف مصرية مسائية لها ارثها وتاريخها، تدرك ان القصة ليست مصرية، وحسب، اذ ان مصر من اكثر الدول العربية، دعما للصحافة، وكان الشعب المصري يعد من الأكثر قراءة للصحف مقارنة بشعوب عربية، لكنها قصة التحولات التي بحاجة الى استعداد منذ الآن، حتى لا تجتاح هذه العاصفة الصحافة العربية الورقية المتبقية تدريجيا.
يبقى السؤال، كيف ستبقى الصحافة الورقية في ظل أجيال جديدة تستعمل فقط أجهزة الموبايل الذكية، والتعليم عبر الأون لاين، وأجهزة اللاب توب، ولا قدرة بصرية او ذهنية او يدوية او روتينية لديها على فتح الصحيفة، وتصفحها، والتفاعل مع ما هو منشور فيها؟.
ماهر أبو طير
نخسر في العالم العربي صحيفة تلو صحيفة، فالصحافة الورقية مهددة بشدة، بسبب كلف الإنتاج، فنحن أمام صناعة تحت الخطر بكل ما تعنيه الكلمة، بسبب التغيرات في كل العالم.
آخر المعلومات أن مصر أم الصحافة العربية، قررت تحويل ثلاث صحف ورقية هي الاهرام المسائي، الاخبار المسائي، والمساء، الى منصات إلكترونية، مع إبقاء كوادرها، والحفاظ على رواتبهم، والغاية هنا، خفض النفقات، خصوصا، كلف الطباعة الورقية المذهلة والكبيرة.
هذه القصة ليست الأولى، لكنها تعطيك مؤشرا على التغيرات في الإعلام العربي، وقد كنا نرى صحفا تصدر بمائة صفحة في العالم العربي، يوميا، وإذ بها تتراجع تدريجيا، الى ربع ذلك، هذا إذا افترضنا انها قادرة على الصمود أيضا، بسبب كلف الورق، والرواتب، في ظل تراجع الإعلانات، وتغير مواصفات هذه الصناعة، نحو الالكتروني، بما يعنيه ذلك.
التحدي الأساس هنا، هو صناعة المحتوى، فالإعلام العربي لا يصنع المحتوى في اغلبه، بل ان كل المحتوى العربي على الانترنت هو الأقل، عالميا، واذا صنعه فهو اما عبارة عن نشرات رسمية على شكل صحف، او اعلام يفيض بالسلبية واللطم، في ظل غياب فنون العمل الصحفي، من مقالات، وتحليلات، وتحقيقات، ومقابلات ذات قيمة، وعجز بسبب سرعة نقل الاخبار وحرقها عبر التلفزيونات، او المنصات الالكترونية، وعدم القدرة على ابتكار فنون جديدة، لتعويض حرق الاخبار الذي يجري كل دقيقة، حيث لم يعد مطلوبا من الصحف نشر الاخبار، التي يعرفها الجمهور، لحظة وقوعها، فلماذا ينتظرونها مكررة في نسخة ورقية، وهنا فإن الابداع في المحتوى وحده القادر على استرداد القارئ والمعلن معا، وهذه هي الحقيقة.
هذه التحولات كما هو معروف طرأت على سوق الإعلان أيضا، والوكالات الدولية والعربية والمحلية في سوق الإعلان، تركض وراء الجمهور، وهذا الجمهور بات متواجدا على المواقع الالكترونية وصفحات التواصل، فلماذا تستهدفه في النسخ الورقية في العالم العربي؟.
في الأردن، لحقتنا التغيرات بشكل أو آخر، لكن هذه التغيرات، يجب ألا تكون ذريعة لوقف دعم الصحف، بطريقة منطقية، عبر الإعلانات، او خفض الضرائب والجمارك على الورق، وزيادة قيمة الإعلان، وادراك أهمية بقاء الصحف في الأردن، مع التركيز أيضا على معركة المحتوى، حتى يكون الدعم هنا، منطقيا، ومبررا، بمعايير الجمهور والمؤسسات، أيضا، إضافة الى أهمية التأكيد على استعادة دور الصحف، لتكون مؤثرة على الرأي العام، بدلا من إضعافها، وإحلال فوضى التواصل الاجتماعي مكانها، ثم التذمر ليل نهار من هذه الفوضى.
العقد المقبل، حساس وخطير جدا، على وجود الصحف الورقية، التي بإمكانها المواءمة بين النسخ الورقية والمنصات الالكترونية، واحداث تحولات في فنون العمل الصحفي حتى تصمد الصحف في ذهنية الجمهور، وتعزز حاجته اليومية لها، مثلما ان الجانب الأهم يرتبط بالحرفية والمصداقية وارتفاع سقف الحرية والتعبير، والابتعاد عن النفاق وصحافة العلاقات العامة.
المنصات الالكترونية برغم انها تستفيد من الصحافة الورقية، على صعيد المحتوى، الا انها أيضا لديها مشاكلها، لكن تأثيرها يرتبط بسرعة الدخول اليها، وتحديث المعلومات والاخبار، وسباق الانفراد بسبق صحفي من هنا او هناك، كما انها توفر للقارئ، مرحليا، الفرصة للانتقال من منصة الى منصة، دون موانع، وبحيث يتجول المرء على عشرات المنصات يوميا، باشتراك انترنت منخفض، وليس ادل على ذلك من ان الصحافة الالكترونية بقيت قائمة بقوة خلال ازمة كورونا في العالم، التي تعطلت فيها الصحف الورقية.
حين تقرأ خبرا مثل اغلاق صحف مصرية مسائية لها ارثها وتاريخها، تدرك ان القصة ليست مصرية، وحسب، اذ ان مصر من اكثر الدول العربية، دعما للصحافة، وكان الشعب المصري يعد من الأكثر قراءة للصحف مقارنة بشعوب عربية، لكنها قصة التحولات التي بحاجة الى استعداد منذ الآن، حتى لا تجتاح هذه العاصفة الصحافة العربية الورقية المتبقية تدريجيا.
يبقى السؤال، كيف ستبقى الصحافة الورقية في ظل أجيال جديدة تستعمل فقط أجهزة الموبايل الذكية، والتعليم عبر الأون لاين، وأجهزة اللاب توب، ولا قدرة بصرية او ذهنية او يدوية او روتينية لديها على فتح الصحيفة، وتصفحها، والتفاعل مع ما هو منشور فيها؟.
التعليقات