سوريا: ذهبت المملكة وبقي صمتها
الثقة نيوز -
عمر كلاب
بعد قنبلتي هيروشيما وناغازاكي وقَّع الإمبراطور الياباني وثيقة الصلح دون أن يقرأ سطرًا منها، سأله حينها الجنرال الأمريكي فخامة الإمبراطور لم تقرأ، فأجابه: المهزوم لا يقرأ، وأظن أنَّ جيلنا الذي لم يشهد نصرًا قط يجب أن يخالف شرط الإمبراطور الياباني ويقرأ على وعد أن يترك الساحة ويُخليها لجيل جديد، يحلم بغد أفضل وأجمل، جيل جديد يؤمن بالوحدة والتنوير، يؤمن بأن الأصنام لا تصنع وطنًا ولا تبني عقيدة، يؤمن بالنقد والنقد الذاتي، ولا يقدّس إلا الاختلاف، وضرورة احترام الحق في الحياة في وطن ركائزه العدالة، والمواطنة، ودولة القانون.
ما حدث في سوريا درس يسعى كثيرون إلى تعميمه، وتحديدًا أصحاب فكرة إن ما جري مع النظام السوري رسالة لكل نظام عربي عنوانها "التصق بشعبك" والتي وردت على لسان رئيس كتلة جبهة العمل الإسلامي في البرلمان صالح العرموطي وعلى أهمية المعنى الذي تحمله العبارة، إلا أن مبناها في غير مكانه وزمانه فلسنا سوريا، ونظامنا ليس نظامها السابق أو اللاحق، هذه ملاحظة سريعة لأن ما رأيناه من ابان حكم الرئيس السابق محمد مرسي رحمه الله نراه يتجدد بشكلٍ أقل حدة، بعد رحيل بشار الأسد وسقوط نظامه، وكأن العقل ما زال في مكانه وعلى نفس إيقاعه.
ليس اليوم مناسبًا لمناقشة القول السابق لكنه فرصة لمناقشة ما حدث سواء في بغداد قبل عقدين أو في دمشق قبل أيام، أو في القاهرة قبل عقود أو قبل سنوات قصار، لماذا فشلت الأنظمة القومية والإسلامية؟ ولماذا كانت نهاياتها مريعة؟ وما سرّ عدائها مع الديمقراطية وتصالحها مع الاستبداد؟ تيارات الإسلام السياسي أو الجهادي تقتل وتستبد باسم الشريعة، والقوميون، يقتلون ويستبدون باسم تحرير فلسطين والوحدة الكبرى وعلينا أن نفاضل بين الموت باسم الدين؛ لأن الخروج عليها سيتصادم مع المقدس الديني، أو باسم الخروج عن الثوابت القومية، فهل قدر العرب فعلاً؟ أم انه خلل جيني برفض الديمقراطية التعددية وتداول السلطة؟ وللاسترسال أو لتثقيف الفكرة فلكل مجتمع بنية وعي جمعي سائدة - لا أفضل مصطلح العقل الجمعي- ظافرة مهيمنة، تتعايش في داخل المجتمع، مع بنية وعي أخرى غير منتشرة كثيرًا، غير مترسخة، متنحية وغير سائدة، أي صراع بين بنيتين سائدة ومتنحية بنية الوعي الجمعي السائدة اليوم في أقطارنا هي نفسها في قلب المدينة الكبرى أو في قلبِ قريةٍ لا علاقة لها بالحدود، أو باللهجات بتاتًا.
بنية الوعي الجمعي السائدة هي بنية الوعي الجمعي التكاثري، التناسلي، الريعي والاستهلاكي، مقابل بنية متنحية، تتحدث عن الديمقراطية والمواطنة المتساوية، وهذه البنية سرعان ما تترنح أمام أي صدام مصلحي فردي أو مناطقي أو قبلي.
هنا تكمن الأزمة، فالصراع بين البنيتين يجري استثماره واستغلاله ولا يجري البناء الأفقي والعامودي، على أي منهما فلا أحد يسعى بوضوح إلى بناء مجتمع استهلاكي بشروط البناء الاستهلاكي من رأسمالية وتسليع ولا أحد يسعى إلى بناء نظام قومي بما يحمله من رسالة فكرية وبناء اقتصادي قائم على ملكية الدولة لوسائل الإنتاج، فنرى سيولة بين البنيتين، فترى الإسلامي يتحدث بلغة رأسمالية, ونرى اليمين القومي يستثمر في الدين، وفقه الصبر والاحتمال، فمن يستشهد بالقومية في الفضاء الديني يقول عن بناء النظام الناصري لألف مسجد، ويسترشد كيف وضع نظام البعث العراقي الله أكبر على العلم، والإسلامي يتحدث بطلاقة عن تجربة أردوغان في السياحة والسياسة لكن الضائع الإخلاص للفكرة وتبنيها.
من الصحيح أن سوريا كانت مملكة الصمت وكذلك العراق، ومصر، وليبيا، واليمن، والسودان، وكل الدول التي شهدت تغييرات درامية، لكن السؤال هل غادر الصمت تلك الممالك؟ أم بقي الصمت وغادرت الأنظمة؟ وبعضه غادرته الدولة ذاتها، نحمد الله أننا في مملكة لم يسكنها الصمت يومًا حتى في المراحل التي أسميناها العرفية، وما زلنا قادرين على الكلام لكنها فرصة اليوم للحديث عن اشتراطات التقدم وبناء الأوطان من خلال مناقشة السبب وليس مناقشة النتيجة.
الانباط
عمر كلاب
بعد قنبلتي هيروشيما وناغازاكي وقَّع الإمبراطور الياباني وثيقة الصلح دون أن يقرأ سطرًا منها، سأله حينها الجنرال الأمريكي فخامة الإمبراطور لم تقرأ، فأجابه: المهزوم لا يقرأ، وأظن أنَّ جيلنا الذي لم يشهد نصرًا قط يجب أن يخالف شرط الإمبراطور الياباني ويقرأ على وعد أن يترك الساحة ويُخليها لجيل جديد، يحلم بغد أفضل وأجمل، جيل جديد يؤمن بالوحدة والتنوير، يؤمن بأن الأصنام لا تصنع وطنًا ولا تبني عقيدة، يؤمن بالنقد والنقد الذاتي، ولا يقدّس إلا الاختلاف، وضرورة احترام الحق في الحياة في وطن ركائزه العدالة، والمواطنة، ودولة القانون.
ما حدث في سوريا درس يسعى كثيرون إلى تعميمه، وتحديدًا أصحاب فكرة إن ما جري مع النظام السوري رسالة لكل نظام عربي عنوانها "التصق بشعبك" والتي وردت على لسان رئيس كتلة جبهة العمل الإسلامي في البرلمان صالح العرموطي وعلى أهمية المعنى الذي تحمله العبارة، إلا أن مبناها في غير مكانه وزمانه فلسنا سوريا، ونظامنا ليس نظامها السابق أو اللاحق، هذه ملاحظة سريعة لأن ما رأيناه من ابان حكم الرئيس السابق محمد مرسي رحمه الله نراه يتجدد بشكلٍ أقل حدة، بعد رحيل بشار الأسد وسقوط نظامه، وكأن العقل ما زال في مكانه وعلى نفس إيقاعه.
ليس اليوم مناسبًا لمناقشة القول السابق لكنه فرصة لمناقشة ما حدث سواء في بغداد قبل عقدين أو في دمشق قبل أيام، أو في القاهرة قبل عقود أو قبل سنوات قصار، لماذا فشلت الأنظمة القومية والإسلامية؟ ولماذا كانت نهاياتها مريعة؟ وما سرّ عدائها مع الديمقراطية وتصالحها مع الاستبداد؟ تيارات الإسلام السياسي أو الجهادي تقتل وتستبد باسم الشريعة، والقوميون، يقتلون ويستبدون باسم تحرير فلسطين والوحدة الكبرى وعلينا أن نفاضل بين الموت باسم الدين؛ لأن الخروج عليها سيتصادم مع المقدس الديني، أو باسم الخروج عن الثوابت القومية، فهل قدر العرب فعلاً؟ أم انه خلل جيني برفض الديمقراطية التعددية وتداول السلطة؟ وللاسترسال أو لتثقيف الفكرة فلكل مجتمع بنية وعي جمعي سائدة - لا أفضل مصطلح العقل الجمعي- ظافرة مهيمنة، تتعايش في داخل المجتمع، مع بنية وعي أخرى غير منتشرة كثيرًا، غير مترسخة، متنحية وغير سائدة، أي صراع بين بنيتين سائدة ومتنحية بنية الوعي الجمعي السائدة اليوم في أقطارنا هي نفسها في قلب المدينة الكبرى أو في قلبِ قريةٍ لا علاقة لها بالحدود، أو باللهجات بتاتًا.
بنية الوعي الجمعي السائدة هي بنية الوعي الجمعي التكاثري، التناسلي، الريعي والاستهلاكي، مقابل بنية متنحية، تتحدث عن الديمقراطية والمواطنة المتساوية، وهذه البنية سرعان ما تترنح أمام أي صدام مصلحي فردي أو مناطقي أو قبلي.
هنا تكمن الأزمة، فالصراع بين البنيتين يجري استثماره واستغلاله ولا يجري البناء الأفقي والعامودي، على أي منهما فلا أحد يسعى بوضوح إلى بناء مجتمع استهلاكي بشروط البناء الاستهلاكي من رأسمالية وتسليع ولا أحد يسعى إلى بناء نظام قومي بما يحمله من رسالة فكرية وبناء اقتصادي قائم على ملكية الدولة لوسائل الإنتاج، فنرى سيولة بين البنيتين، فترى الإسلامي يتحدث بلغة رأسمالية, ونرى اليمين القومي يستثمر في الدين، وفقه الصبر والاحتمال، فمن يستشهد بالقومية في الفضاء الديني يقول عن بناء النظام الناصري لألف مسجد، ويسترشد كيف وضع نظام البعث العراقي الله أكبر على العلم، والإسلامي يتحدث بطلاقة عن تجربة أردوغان في السياحة والسياسة لكن الضائع الإخلاص للفكرة وتبنيها.
من الصحيح أن سوريا كانت مملكة الصمت وكذلك العراق، ومصر، وليبيا، واليمن، والسودان، وكل الدول التي شهدت تغييرات درامية، لكن السؤال هل غادر الصمت تلك الممالك؟ أم بقي الصمت وغادرت الأنظمة؟ وبعضه غادرته الدولة ذاتها، نحمد الله أننا في مملكة لم يسكنها الصمت يومًا حتى في المراحل التي أسميناها العرفية، وما زلنا قادرين على الكلام لكنها فرصة اليوم للحديث عن اشتراطات التقدم وبناء الأوطان من خلال مناقشة السبب وليس مناقشة النتيجة.
الانباط
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع