اثنا عشر مليون رجل غاضبون
الثقة نيوز - وعدت طالبان بتطبيق العدالة. وهي تتعرض إلى ضغوط شديدة لتوفيرها… ولكن، في مواجهة انهيار اقتصادي، وكارثة إنسانية، واقتتال داخلي شرس، ليس لدى طالبان سوى القليل من الوقت للتركيز على أحد الاحتياجات الملموسة للشعب. ولا يبشر هذا بالخير بالنسبة لقدوم أي مظهر من مظاهر العدالة في أفغانستان الجديدة.
* * *
محافظة وَردَك، أفغانستان- جلبت الشرطة مدمناً على عقار الهيروين مكبل اليدين إلى مركز شرطة صغير في منطقة تشاك النائية في إقليم وردك على ظهر دراجة نارية. وكان رجال طالبان قد قبضوا عليه في وسط المدينة قبل لحظات، وكان في طريقه إلى سجن مؤقت كان قد أقامه في وقت سابق مقاتلو طالبان الشباب هؤلاء أنفسهم -معظمهم في العشرينات من العمر. وكانت العدالة، القاسية إن لم تكن الجاهزة، على وشك أن تُقدَّم: سوف يُحتجز الرجل في السجن حتى يُطهَّر.
ويقول حكمت هيواد، أحد ضباط الشرطة، إنهم “يتصرفون وفق الشريعة”. وكان هيواد، البالغ من العمر 24 عامًا، والذي نشأ في تشاك وانضم إلى طالبان منذ حوالي سبع سنوات، جزءًا من الفرقة التي ساعدت في البداية على الاستيلاء على مركز المنطقة قبل أشهر عدة أثناء هجوم طالبان. وهو الآن أحد الضباط المسؤولين عن تطبيق القواعد، حتى لو كانت معرفته بما يشكل الشريعة -مجموعة القوانين والتوجيهات الإسلامية المبنية على القرآن والتفسيرات- محدودة في أحسن الأحوال.
ومع ذلك، كما قال، يسعى الناس إلى العدالة ويطالبون طالبان -خيارهم الوحيد هذه الأيام- بتسوية النزاعات بينهم.
ويقول هيواد: “أنا واحد من 30 شرطيًا مسؤولاً عن حوالي 50 مجتمعًا صغيرًا في المنطقة. وهناك قاض في المحكمة الشرعية يساعد الناس على حل مشاكلهم. ونحن نتلقى طلبات من المجتمع كل يوم”. أما النزاعات الأكبر، فيتم رفعها إلى محكمة المقاطعة في العاصمة، ميدان شار.
في أفغانستان اليوم، بعد 20 عامًا من سقوط نظام طالبان الأول وبعد شهرين من سقوط آخر حكومة جمهورية، من الواضح أن هناك حاجة إلى العدالة. في ظل الحكومة الأفغانية السابقة، التي كانت تعمل -اسميًا- وفقًا للشريعة أيضاً، كان السعي إلى تحقيق العدالة أمرًا مرهقًا ومكلفًا ومليئًا بالفساد. وقد دفع ذلك بعض الناس، سواء كانوا يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة أو طالبان، للسعي إلى تحقيق العدالة في محاكم طالبان، الأسرع، والأرخص، والأقل فسادًا -حتى قبل أن يستولي المتمردون على السلطة.
لكن المشكلة هي أن جماعة طالبان، آنذاك والآن، ليسوا فقهاء عظماء في نهاية المطاف. والشريعة لا تشرح كل شيء، وتترك الكثير من الأمور مفتوحة على التأويل والاجتهاد. وينظر الطالبان إلى كل شيء من خلال عدساتهم الغائمة.
يقول محمود محرون، الأستاذ في جامعة كابول، والموجود حاليًا خارج أفغانستان: “على مدى السنوات العشرين الماضية، كان لديهم (طالبان) حكومة ظل، ولكن على أساس أي قوانين؟ كان كل واحد يفعل ما يشاء -كان الأمر عشوائياً تمامًا”.
وكان عبد الشكور رشاد، وهو قاض يبلغ من العمر 40 عامًا، واحداً من أولئك المكلفين بإدارة محكمة ظل في منطقة كاراباخ بولاية غزنة، جنوب غرب كابول، على مدى سنوات. وقال إنه كان دائمًا مشغولاً. واليوم، يجلس في المحكمة الرئيسية لمدينة غزنة، إلى جانب أربعة مفتين آخرين. وققد تلقوا جميعاً تعليمهم في مؤسسات دينية وليس في كليات الحقوق؛ ويمتلئ مكتب القاضي بالكتب الدينية، والغرفة مزينة بأعلام ما تسمى بـ”الإمارة الإسلامية”.
وأوضح رشاد: “إننا نواصل ما كنا نفعله سابقًا في المناطق”. وقال إن بعض القوانين التي طبقتها طالبان سابقًا لن تتغير هذه المرة أيضًا. مطلوب شهادة امرأتين لتساوي شهادة رجل واحد؛ ويمكن أن يتم إصدار عقوبات الرجم والإعدام مرة أخرى، على الرغم من أن مثل هذه القرارات تتطلب عملية اتخاذ قرار مطولة.
إن عودة للتسعينيات هي بالضبط ما يخشاه العديد من الأفغان من عدالة طالبان. وهناك الكثير من أوجه التشابه مسبقاً. فقد أعادت طالبان إحياء “وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، التي طبقت بقسوة مجموعة من القواعد الصارمة، والكثير منها لا يمكن العثور عليه في القرآن. وقد منعوا الفتيات فعلياً من الذهاب إلى المدرسة بعد الصف السادس. وفي الشهر الماضي، في مدينة هيرات الغربية، شنقت طالبان على الملأ خاطفين مزعومين- وهو ما أريد منه أن يكون درساً، كما قالت الحركة.
تقول حسنى جليل، وهي نائبة وزير سابقة لشؤون المرأة، إنها كانت تكافح من أجل الحفاظ على الأمل في أن تكون شريعة طالبان الجديدة معتدلة، وخاصة تجاه النساء. وقالت: “إن تشريعاتهم وسياساتهم في العام 2021 ستكون نسخة محدثة من تشريعاتهم السابقة للعام 2001، مع تعديلات طفيفة فقط”. وقد غادرت جليل أفغانستان، وأصبح مكتبها السابق يضم الآن وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والشريعة نفسها غير ناجزة بالكامل. وتقول رنا عثمان، باحثة الدكتوراه في كلية القانون في جامعة “إس. أو. إيه. إس.” في لندن: “في داخلها، لديك قيم وأعراف، ولتحقيق ذلك، طور الفقهاء أساليب الفقه، لكن هذه تعتمد على تطبيق الأسلوب والتأويل، وهذا بالضبط ما يمكن أن يحدث خطأ. وبذلك، يمكن أن يصبح نظام العدالة بسهولة امتدادًا لذراع السلطة في دولة استبدادية”.
مع ذلك، ثمة الكثير من الزبائن. خارج محكمة رشاد في غزنة، جلست مجموعة صغيرة من الرجال ينتظرون.
وقال الحاج فايز محمدي (63 عاما)، والذي يعيش في عاصمة ولاية غزنة: “لا يوجد فساد في الشريعة ونحن لا ندفع نقوداً للمجيء إلى هنا”. وكان يأمل في حل نزاع على أرض لم يجد حلاً خلال فترة الحكومة السابقة.
وأضاف علاء الدين جلالي، 44 عاما، الجالس بجوار محمدي: “لقد تغيرت الحكومة. في السابق، كان بإمكان الأشخاص رفيعي المستوى أن يدفعوا للقضاة للحصول على ما يريدون، بما في ذلك الأرض. نأمل بألا يكون ذلك ممكنا بعد الآن”.
ومع ذلك، ليس الجميع موافقين وعلى متن العربة.
تقول نازنين عبد الغفور، 25 عاما، بينما تقف أمام محكمة في هرات: “لقد سجنت طالبان أخي غير الشقيق في الشهر الماضي. إنه مدين للعديد من الأشخاص، ولهذا السبب لن يطلقوا سراحه”. وأضافت عبد الغفور، التي عملت سابقًا في منظمة محلية لحقوق المرأة، أنها كانت خائفة من الحكام الجدد ولذلك تركت وظيفتها وهربت من منزلها خوفًا من الانتقام.
في مواجهة انهيار اقتصادي، وكارثة إنسانية، واقتتال داخلي شرس، ليس لدى طالبان الكثير من الوقت للتركيز على أحد الاحتياجات الملموسة للشعب. ولا يبشر هذا بالخير لأي مظهر من مظاهر العدالة في أفغانستان الجديدة.
وقال محرون: “لا يوجد دستور رسمي ولا قوانين، ولذلك لن يكونوا قادرين على إدارة نظامهم القضائي. وليس لديهم ما يكفي من الأشخاص المؤهلين، ولذلك سيفشلون في النهاية. إنهم لن يدوموا”.
وأضاف محرون: “في الوقت الحالي، نظام العدالة ليس أولوية. إنهم لا يركزون على المحاكم، لكنهم يقلقون بدلاً من ذلك بشأن قيادتهم وشؤونهم المالية. إنهم لا يستطيعون حل مشكلاتهم الداخلية، فكيف يمكنهم حل مشكلات الآخرين؟”.
* * *
محافظة وَردَك، أفغانستان- جلبت الشرطة مدمناً على عقار الهيروين مكبل اليدين إلى مركز شرطة صغير في منطقة تشاك النائية في إقليم وردك على ظهر دراجة نارية. وكان رجال طالبان قد قبضوا عليه في وسط المدينة قبل لحظات، وكان في طريقه إلى سجن مؤقت كان قد أقامه في وقت سابق مقاتلو طالبان الشباب هؤلاء أنفسهم -معظمهم في العشرينات من العمر. وكانت العدالة، القاسية إن لم تكن الجاهزة، على وشك أن تُقدَّم: سوف يُحتجز الرجل في السجن حتى يُطهَّر.
ويقول حكمت هيواد، أحد ضباط الشرطة، إنهم “يتصرفون وفق الشريعة”. وكان هيواد، البالغ من العمر 24 عامًا، والذي نشأ في تشاك وانضم إلى طالبان منذ حوالي سبع سنوات، جزءًا من الفرقة التي ساعدت في البداية على الاستيلاء على مركز المنطقة قبل أشهر عدة أثناء هجوم طالبان. وهو الآن أحد الضباط المسؤولين عن تطبيق القواعد، حتى لو كانت معرفته بما يشكل الشريعة -مجموعة القوانين والتوجيهات الإسلامية المبنية على القرآن والتفسيرات- محدودة في أحسن الأحوال.
ومع ذلك، كما قال، يسعى الناس إلى العدالة ويطالبون طالبان -خيارهم الوحيد هذه الأيام- بتسوية النزاعات بينهم.
ويقول هيواد: “أنا واحد من 30 شرطيًا مسؤولاً عن حوالي 50 مجتمعًا صغيرًا في المنطقة. وهناك قاض في المحكمة الشرعية يساعد الناس على حل مشاكلهم. ونحن نتلقى طلبات من المجتمع كل يوم”. أما النزاعات الأكبر، فيتم رفعها إلى محكمة المقاطعة في العاصمة، ميدان شار.
في أفغانستان اليوم، بعد 20 عامًا من سقوط نظام طالبان الأول وبعد شهرين من سقوط آخر حكومة جمهورية، من الواضح أن هناك حاجة إلى العدالة. في ظل الحكومة الأفغانية السابقة، التي كانت تعمل -اسميًا- وفقًا للشريعة أيضاً، كان السعي إلى تحقيق العدالة أمرًا مرهقًا ومكلفًا ومليئًا بالفساد. وقد دفع ذلك بعض الناس، سواء كانوا يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة أو طالبان، للسعي إلى تحقيق العدالة في محاكم طالبان، الأسرع، والأرخص، والأقل فسادًا -حتى قبل أن يستولي المتمردون على السلطة.
لكن المشكلة هي أن جماعة طالبان، آنذاك والآن، ليسوا فقهاء عظماء في نهاية المطاف. والشريعة لا تشرح كل شيء، وتترك الكثير من الأمور مفتوحة على التأويل والاجتهاد. وينظر الطالبان إلى كل شيء من خلال عدساتهم الغائمة.
يقول محمود محرون، الأستاذ في جامعة كابول، والموجود حاليًا خارج أفغانستان: “على مدى السنوات العشرين الماضية، كان لديهم (طالبان) حكومة ظل، ولكن على أساس أي قوانين؟ كان كل واحد يفعل ما يشاء -كان الأمر عشوائياً تمامًا”.
وكان عبد الشكور رشاد، وهو قاض يبلغ من العمر 40 عامًا، واحداً من أولئك المكلفين بإدارة محكمة ظل في منطقة كاراباخ بولاية غزنة، جنوب غرب كابول، على مدى سنوات. وقال إنه كان دائمًا مشغولاً. واليوم، يجلس في المحكمة الرئيسية لمدينة غزنة، إلى جانب أربعة مفتين آخرين. وققد تلقوا جميعاً تعليمهم في مؤسسات دينية وليس في كليات الحقوق؛ ويمتلئ مكتب القاضي بالكتب الدينية، والغرفة مزينة بأعلام ما تسمى بـ”الإمارة الإسلامية”.
وأوضح رشاد: “إننا نواصل ما كنا نفعله سابقًا في المناطق”. وقال إن بعض القوانين التي طبقتها طالبان سابقًا لن تتغير هذه المرة أيضًا. مطلوب شهادة امرأتين لتساوي شهادة رجل واحد؛ ويمكن أن يتم إصدار عقوبات الرجم والإعدام مرة أخرى، على الرغم من أن مثل هذه القرارات تتطلب عملية اتخاذ قرار مطولة.
إن عودة للتسعينيات هي بالضبط ما يخشاه العديد من الأفغان من عدالة طالبان. وهناك الكثير من أوجه التشابه مسبقاً. فقد أعادت طالبان إحياء “وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، التي طبقت بقسوة مجموعة من القواعد الصارمة، والكثير منها لا يمكن العثور عليه في القرآن. وقد منعوا الفتيات فعلياً من الذهاب إلى المدرسة بعد الصف السادس. وفي الشهر الماضي، في مدينة هيرات الغربية، شنقت طالبان على الملأ خاطفين مزعومين- وهو ما أريد منه أن يكون درساً، كما قالت الحركة.
تقول حسنى جليل، وهي نائبة وزير سابقة لشؤون المرأة، إنها كانت تكافح من أجل الحفاظ على الأمل في أن تكون شريعة طالبان الجديدة معتدلة، وخاصة تجاه النساء. وقالت: “إن تشريعاتهم وسياساتهم في العام 2021 ستكون نسخة محدثة من تشريعاتهم السابقة للعام 2001، مع تعديلات طفيفة فقط”. وقد غادرت جليل أفغانستان، وأصبح مكتبها السابق يضم الآن وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والشريعة نفسها غير ناجزة بالكامل. وتقول رنا عثمان، باحثة الدكتوراه في كلية القانون في جامعة “إس. أو. إيه. إس.” في لندن: “في داخلها، لديك قيم وأعراف، ولتحقيق ذلك، طور الفقهاء أساليب الفقه، لكن هذه تعتمد على تطبيق الأسلوب والتأويل، وهذا بالضبط ما يمكن أن يحدث خطأ. وبذلك، يمكن أن يصبح نظام العدالة بسهولة امتدادًا لذراع السلطة في دولة استبدادية”.
مع ذلك، ثمة الكثير من الزبائن. خارج محكمة رشاد في غزنة، جلست مجموعة صغيرة من الرجال ينتظرون.
وقال الحاج فايز محمدي (63 عاما)، والذي يعيش في عاصمة ولاية غزنة: “لا يوجد فساد في الشريعة ونحن لا ندفع نقوداً للمجيء إلى هنا”. وكان يأمل في حل نزاع على أرض لم يجد حلاً خلال فترة الحكومة السابقة.
وأضاف علاء الدين جلالي، 44 عاما، الجالس بجوار محمدي: “لقد تغيرت الحكومة. في السابق، كان بإمكان الأشخاص رفيعي المستوى أن يدفعوا للقضاة للحصول على ما يريدون، بما في ذلك الأرض. نأمل بألا يكون ذلك ممكنا بعد الآن”.
ومع ذلك، ليس الجميع موافقين وعلى متن العربة.
تقول نازنين عبد الغفور، 25 عاما، بينما تقف أمام محكمة في هرات: “لقد سجنت طالبان أخي غير الشقيق في الشهر الماضي. إنه مدين للعديد من الأشخاص، ولهذا السبب لن يطلقوا سراحه”. وأضافت عبد الغفور، التي عملت سابقًا في منظمة محلية لحقوق المرأة، أنها كانت خائفة من الحكام الجدد ولذلك تركت وظيفتها وهربت من منزلها خوفًا من الانتقام.
في مواجهة انهيار اقتصادي، وكارثة إنسانية، واقتتال داخلي شرس، ليس لدى طالبان الكثير من الوقت للتركيز على أحد الاحتياجات الملموسة للشعب. ولا يبشر هذا بالخير لأي مظهر من مظاهر العدالة في أفغانستان الجديدة.
وقال محرون: “لا يوجد دستور رسمي ولا قوانين، ولذلك لن يكونوا قادرين على إدارة نظامهم القضائي. وليس لديهم ما يكفي من الأشخاص المؤهلين، ولذلك سيفشلون في النهاية. إنهم لن يدوموا”.
وأضاف محرون: “في الوقت الحالي، نظام العدالة ليس أولوية. إنهم لا يركزون على المحاكم، لكنهم يقلقون بدلاً من ذلك بشأن قيادتهم وشؤونهم المالية. إنهم لا يستطيعون حل مشكلاتهم الداخلية، فكيف يمكنهم حل مشكلات الآخرين؟”.
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع