شرعية اضراب نقابة المعلمين حسب القانون الدولي
مطالعة أ. رياض صبح مفوض سابق في المركز الوطني لحقوق الإنسان
سأبين موقف القانون الدولي فيما يتعلق بإضراب نقابة المعلمين حسب القانون الدولي لحقوق الإنسان وقرارات منظمة العمل الدولية، والتي أؤكد على الزاميتها على الدول كونها تسمو على التشريع الوطني.
إن المبررات التي تساق كون الإضراب يشكل تهديدا للسلم العام وللأمن الوطني بحاجة الى بحث، حيث اشارت المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الحق في حرية الرأي والتعبير والمادة 21 الحق في التجمع السلمي انه يحق للدولة تقييد حرية الرأي والتعبير لدواعي الأمن الوطني، وحسب تفسيرات القانون الدولي ان مفهوم الأمن الوطني هو ما يمس السلامة الإقليمية او النظام السياسي او حياة الأمة من اي تهديد جدي او فعل يفضي الى استخدام القوة، وما دام ان اضراب النقابة ما كان الا تعبير سلمي عن الرأي اذن فلا ينطبق عليه هذا القيد خاصة انه ينبغي الا تمس قواعد الديمقراطية كما اشارت لجنة الحقوق المدنية والسياسية.
وأكدت منظمة العمل الدولية على أن التجمع السلمي ينبغي ألا يؤثر على سلامة السير في الطرقات العامة والمكتظة، حيث جاء في (القضية 1285، الفقرة 176) من قرارات منظمة العمل الدولية: "تشمل الحقوق النقابية الحق في تنظيم مسيرات عامة، ورغم أن منع التظاهر في الطرقات العامة داخل المناطق، التي تشهد نشاطاً أكثر من غيرها في المدينة، لا يشكل انتهاكاً للحقوق النقابية، فعلى السلطات التوصل إلى اتفاق مع منظمي التظاهر وتمكينهم من القيام بها في مكان آخر لا تسوده الخشية من وقوع الاضطرابات".
اما مسألة ان الإضراب يمس حقوق الطفل في التعليم، فبلا ادنى شك ان اي اضراب سوف يؤثر على تمتع الفئة المستفيدة من خدمة اي مهنة او عمل من ممارسة حقوقها، فلا يوجد اي اضراب لا يمس حقوق الفئة المستهدفة، وهذا ليس سبب كافي لمنع الإضراب والا لكانت من حق الدول والقطاع الخاص ان منع كل الإضرابات دون استثناء كونها تمس بخدمات الفئة المستهدفة، ناهيك عن ان لجنة العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والإجتماعية والثقافية قد اشارت في تعليقاتها الى ضرورة حماية وتعزيز حقوق المعلمين مهنيا وماديا.
ويشكّل احتجاز النقابيين مساً مباشراً بحرية التنظيم النقابي، حيث جاء في (القضية 1285، الفقرة 215(أ)) من قرارات منظمة العمل الدولية "تشكل الإجراءات التي تحرم نقابيين من حريتهم لأسباب تتعلق بنشاطهم النقابي عائقاً في وجه ممارسة الحقوق النقابية، حتى وإن تم استدعاؤهم للمثول أمام القضاء أو استجوابهم لفترة قصيرة فحسب" .
ووايضا جاء في قرار منظمة العمل الدولية (موجز 1985، الفقرة 101) "ينطوي الاحتجاز الوقائي الذي يتعرض له النقابيون لأسباب تتعلق باحتمال وقوع حوادث مخلة بالقانون أثناء القيام بإضراب ما، على خطر جدي يتمثل في انتهاك الحقوق النقابية".
اما مسألة اعتبار ان التعليم قطاع حيوي ام فلا، فقد اوضحت قرارات منظمة العمل الدولية في اكثر من قرار شروط تقييد الإضراب، وذلك بالتالي:
وضعت لجنة الحريات النقابية جملة من معايير لجواز تقييد الإضراب كما جاء في (القضايا 1434، 1477، 1631، الفقرات 256، 199 و398) "يجوز تقييد حق اللجوء إلى الإضراب (كمثل فرض التحكيم الإلزامي لإنهاء الإضراب) أو منعه فقط فيما يتعلق بالمرافق الحيوية تحديداً، أي تلك الخدمات التي قد يؤدي انقطاعها إلى تعريض حياة جزء من أو كل السكان للخطر وكذلك سلامتهم الشخصية وصحتهم".
وقد حصرت قرارات منظمة العمل الدولية المرافق الحيوية التي لا يجوز الإضراب بها بخمسة قطاعات فقط الا بتقديم خدمات الحد الأدنى وهي:
• "قطاع المستشفيات (موجز 1985، الفقرة 409)
• الخدمات الكهربائية (القضية 1307، الفقرة 325)
• خدمات تأمين المياه (موجز 1985، الفقرة 410، والقضية 1593، الفقرة 268، والقضية 1601)
• الخدمات الهاتفية (موجز 1985، الفقرة 427، والقضية 1532، الفقرة 284، والقضية 1686، الفقرة 294)
• التحكم بالملاحة الجوية" (موجز 1985، الفقرة 412) ".
وكان قد صدر قرار من قبل الديوان الخاص بتفسير القوانين يحمل رقم (6) لعام 2014 واعتبر أن إضراب المعلمين الذي مارسته نقابة المعلمين بشكل عام خلال عامين، خاصة في مطلع العام الدراسي 2014 قد ألحق ضرراً بمصلحة الطلبة وحقهم في التعليم وأنه أسلوب غير مشروع في تبني مطالب المعلمين ويشكل مخالفة لأحكام قانون التربية والتعليم وقانون نقابة المعلمين ونظام الخدمة المدنية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن هذا القرار عليه ملاحظات عدة لا تنسجم القانون الدولي لحقوق الإنسان ومعايير منظمة العمل الدولية.
إن استناد القرار إلى ما ورد في المادة (8)/ 1 د. من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تنص على "حق الإضراب شريطة ممارسته وفقاً لقوانين البلد المعني" قد قرئ بشكل مجتزأ عن بقية فقرات المادة 8 وبقية مواد العهد، إذ تنص في فقرة 3 منها على ما يلي: "ليس في هذه المادة أي حكم يجيز للدول الأطراف في اتفاقية منظمة العمل الدولية المعقودة 1948 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي اتخاذ تدابير تشريعية من شأنها، أو تطبيق القانون بطريقة من شأنها، أن تخل بالضمانات المنصوص عليها في تلك الاتفاقية"، الأمر الذي يستدل منه أن المادة (8) فقرة 1/ د قد أحالت تطبيق الحق إلى القانون الوطني إلا أنه وبموجب المادة (8) فقرة 3 فإنه لا يجوز أن يخالف القانون الوطني المعايير الدولية لاتفاقية 1948 المتعلقة بشأن الحرية النقابية. بمعنى أن حدود الإحالة للقانون الوطني تكون في الجانب الإجرائي، ولا ينبغي أن تمس جوهر الحق لأنه متصل بشكل رئيسي بالحرية النقابية.
ونقول انه وبما ان إضراب المعلمين لا يمس أو يهدد حياة وسلامة وصحة من يقدم لهم الخدمات وهم الطلبة، فإن مبرر قرار ديوان تفسير القوانين بأن الإضراب قد أثر على حق الطلبة في التعليم لا يشمله هذا المعيار.
وفيما يخص تحديد صفة من يمكن حظر الإضراب عليهم في حال الموظفين الذين يمارسون السلطة باسم الدولة فإن لجنة الحريات النقابية في قرارها الخاص بالقضية (6071، الفقرة 584 ) عرفتهم بـ "إن الرسميين الذين يعملون في الإدارة القضائية هم الذين يمارسون السلطة باسم الدولة. لذا يخضع حقهم بالإضراب لبعض الشروط وحتى للحظر أحياناً"، وعليه فإن حصر صفة الموظفين الذين يمارسون السلطة باسم الدولة بالقضاء قد استبعد منهم المعلمون.
وحددت لجنة الحريات النقابية لمنظمة العمل الدولية القطاعات الحيوية في قرارها في موجز (1985، الفقرة 404، والقضية 1528، الفقرة 285)، حيث اعتبرت القطاع التعليمي برمته قطاعاً غير حيوي، وعددت القطاعات الحيوية كالتالي: قطاع المستشفيات، الخدمات الكهربائية، خدمات تأمين المياه، الخدمات الهاتفية، التحكم بالملاحة الجوية.
إذن خلاصة القول ان اضراب المعلمين يعد امرا شرعيا، إذن لا يجوز اعتبار الإضراب امر غير شرعي كونه لا يمس حياة وحرية الآخرين ولا يعد قطاعا حيويا وكونه سلمي، مع جواز تنظيم مكان انعقاده بمكان لا يؤثر على السير العام.
رياض الصبح
سأبين موقف القانون الدولي فيما يتعلق بإضراب نقابة المعلمين حسب القانون الدولي لحقوق الإنسان وقرارات منظمة العمل الدولية، والتي أؤكد على الزاميتها على الدول كونها تسمو على التشريع الوطني.
إن المبررات التي تساق كون الإضراب يشكل تهديدا للسلم العام وللأمن الوطني بحاجة الى بحث، حيث اشارت المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الحق في حرية الرأي والتعبير والمادة 21 الحق في التجمع السلمي انه يحق للدولة تقييد حرية الرأي والتعبير لدواعي الأمن الوطني، وحسب تفسيرات القانون الدولي ان مفهوم الأمن الوطني هو ما يمس السلامة الإقليمية او النظام السياسي او حياة الأمة من اي تهديد جدي او فعل يفضي الى استخدام القوة، وما دام ان اضراب النقابة ما كان الا تعبير سلمي عن الرأي اذن فلا ينطبق عليه هذا القيد خاصة انه ينبغي الا تمس قواعد الديمقراطية كما اشارت لجنة الحقوق المدنية والسياسية.
وأكدت منظمة العمل الدولية على أن التجمع السلمي ينبغي ألا يؤثر على سلامة السير في الطرقات العامة والمكتظة، حيث جاء في (القضية 1285، الفقرة 176) من قرارات منظمة العمل الدولية: "تشمل الحقوق النقابية الحق في تنظيم مسيرات عامة، ورغم أن منع التظاهر في الطرقات العامة داخل المناطق، التي تشهد نشاطاً أكثر من غيرها في المدينة، لا يشكل انتهاكاً للحقوق النقابية، فعلى السلطات التوصل إلى اتفاق مع منظمي التظاهر وتمكينهم من القيام بها في مكان آخر لا تسوده الخشية من وقوع الاضطرابات".
اما مسألة ان الإضراب يمس حقوق الطفل في التعليم، فبلا ادنى شك ان اي اضراب سوف يؤثر على تمتع الفئة المستفيدة من خدمة اي مهنة او عمل من ممارسة حقوقها، فلا يوجد اي اضراب لا يمس حقوق الفئة المستهدفة، وهذا ليس سبب كافي لمنع الإضراب والا لكانت من حق الدول والقطاع الخاص ان منع كل الإضرابات دون استثناء كونها تمس بخدمات الفئة المستهدفة، ناهيك عن ان لجنة العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والإجتماعية والثقافية قد اشارت في تعليقاتها الى ضرورة حماية وتعزيز حقوق المعلمين مهنيا وماديا.
ويشكّل احتجاز النقابيين مساً مباشراً بحرية التنظيم النقابي، حيث جاء في (القضية 1285، الفقرة 215(أ)) من قرارات منظمة العمل الدولية "تشكل الإجراءات التي تحرم نقابيين من حريتهم لأسباب تتعلق بنشاطهم النقابي عائقاً في وجه ممارسة الحقوق النقابية، حتى وإن تم استدعاؤهم للمثول أمام القضاء أو استجوابهم لفترة قصيرة فحسب" .
ووايضا جاء في قرار منظمة العمل الدولية (موجز 1985، الفقرة 101) "ينطوي الاحتجاز الوقائي الذي يتعرض له النقابيون لأسباب تتعلق باحتمال وقوع حوادث مخلة بالقانون أثناء القيام بإضراب ما، على خطر جدي يتمثل في انتهاك الحقوق النقابية".
اما مسألة اعتبار ان التعليم قطاع حيوي ام فلا، فقد اوضحت قرارات منظمة العمل الدولية في اكثر من قرار شروط تقييد الإضراب، وذلك بالتالي:
وضعت لجنة الحريات النقابية جملة من معايير لجواز تقييد الإضراب كما جاء في (القضايا 1434، 1477، 1631، الفقرات 256، 199 و398) "يجوز تقييد حق اللجوء إلى الإضراب (كمثل فرض التحكيم الإلزامي لإنهاء الإضراب) أو منعه فقط فيما يتعلق بالمرافق الحيوية تحديداً، أي تلك الخدمات التي قد يؤدي انقطاعها إلى تعريض حياة جزء من أو كل السكان للخطر وكذلك سلامتهم الشخصية وصحتهم".
وقد حصرت قرارات منظمة العمل الدولية المرافق الحيوية التي لا يجوز الإضراب بها بخمسة قطاعات فقط الا بتقديم خدمات الحد الأدنى وهي:
• "قطاع المستشفيات (موجز 1985، الفقرة 409)
• الخدمات الكهربائية (القضية 1307، الفقرة 325)
• خدمات تأمين المياه (موجز 1985، الفقرة 410، والقضية 1593، الفقرة 268، والقضية 1601)
• الخدمات الهاتفية (موجز 1985، الفقرة 427، والقضية 1532، الفقرة 284، والقضية 1686، الفقرة 294)
• التحكم بالملاحة الجوية" (موجز 1985، الفقرة 412) ".
وكان قد صدر قرار من قبل الديوان الخاص بتفسير القوانين يحمل رقم (6) لعام 2014 واعتبر أن إضراب المعلمين الذي مارسته نقابة المعلمين بشكل عام خلال عامين، خاصة في مطلع العام الدراسي 2014 قد ألحق ضرراً بمصلحة الطلبة وحقهم في التعليم وأنه أسلوب غير مشروع في تبني مطالب المعلمين ويشكل مخالفة لأحكام قانون التربية والتعليم وقانون نقابة المعلمين ونظام الخدمة المدنية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن هذا القرار عليه ملاحظات عدة لا تنسجم القانون الدولي لحقوق الإنسان ومعايير منظمة العمل الدولية.
إن استناد القرار إلى ما ورد في المادة (8)/ 1 د. من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تنص على "حق الإضراب شريطة ممارسته وفقاً لقوانين البلد المعني" قد قرئ بشكل مجتزأ عن بقية فقرات المادة 8 وبقية مواد العهد، إذ تنص في فقرة 3 منها على ما يلي: "ليس في هذه المادة أي حكم يجيز للدول الأطراف في اتفاقية منظمة العمل الدولية المعقودة 1948 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي اتخاذ تدابير تشريعية من شأنها، أو تطبيق القانون بطريقة من شأنها، أن تخل بالضمانات المنصوص عليها في تلك الاتفاقية"، الأمر الذي يستدل منه أن المادة (8) فقرة 1/ د قد أحالت تطبيق الحق إلى القانون الوطني إلا أنه وبموجب المادة (8) فقرة 3 فإنه لا يجوز أن يخالف القانون الوطني المعايير الدولية لاتفاقية 1948 المتعلقة بشأن الحرية النقابية. بمعنى أن حدود الإحالة للقانون الوطني تكون في الجانب الإجرائي، ولا ينبغي أن تمس جوهر الحق لأنه متصل بشكل رئيسي بالحرية النقابية.
ونقول انه وبما ان إضراب المعلمين لا يمس أو يهدد حياة وسلامة وصحة من يقدم لهم الخدمات وهم الطلبة، فإن مبرر قرار ديوان تفسير القوانين بأن الإضراب قد أثر على حق الطلبة في التعليم لا يشمله هذا المعيار.
وفيما يخص تحديد صفة من يمكن حظر الإضراب عليهم في حال الموظفين الذين يمارسون السلطة باسم الدولة فإن لجنة الحريات النقابية في قرارها الخاص بالقضية (6071، الفقرة 584 ) عرفتهم بـ "إن الرسميين الذين يعملون في الإدارة القضائية هم الذين يمارسون السلطة باسم الدولة. لذا يخضع حقهم بالإضراب لبعض الشروط وحتى للحظر أحياناً"، وعليه فإن حصر صفة الموظفين الذين يمارسون السلطة باسم الدولة بالقضاء قد استبعد منهم المعلمون.
وحددت لجنة الحريات النقابية لمنظمة العمل الدولية القطاعات الحيوية في قرارها في موجز (1985، الفقرة 404، والقضية 1528، الفقرة 285)، حيث اعتبرت القطاع التعليمي برمته قطاعاً غير حيوي، وعددت القطاعات الحيوية كالتالي: قطاع المستشفيات، الخدمات الكهربائية، خدمات تأمين المياه، الخدمات الهاتفية، التحكم بالملاحة الجوية.
إذن خلاصة القول ان اضراب المعلمين يعد امرا شرعيا، إذن لا يجوز اعتبار الإضراب امر غير شرعي كونه لا يمس حياة وحرية الآخرين ولا يعد قطاعا حيويا وكونه سلمي، مع جواز تنظيم مكان انعقاده بمكان لا يؤثر على السير العام.
رياض الصبح
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع