تقليل كلفة السياحة

15-07-2021 11:33 AM

علاء الدين أبو زينة

سيقول مواطن في الأردن: تكلفني رحلة أسبوع في دول قريبة في الإقليم أقل من كلفة يومين في بعض الأماكن السياحية في الأردن. وبالتأكيد سيقول سائح أجنبي يتصفح الإنترنت ويأخذ فكرة عن أسعار الفنادق والخدمات في الوجهات السياحية إن زيارة الأردن ستكون أكثر كلفة من مثيلتها في دول أخرى في الإقليم أيضاً. ولذلك، من حيث المبدأ، ستكون أسعار السلع والخدمات السياحية عاملاً أساسياً في قرار تحديد وجهات السائح المحلي والأجنبي.
لدينا في الأردن وجهات سياحية فريدة، أهمها الآثار المعمارية العظيمة للحضارات التي مرت على هذا البلد، وسُجلت في عجائب الدنيا والتراث العالمي. وستشجع فرادة هذه الأماكن السياح في العالم على تحمُّل فرق الكلفة من أجل رؤيتها مباشرة. لكنَّ في السياحة ما هو أكثر من ذلك. ثمة بلدان يرتادها الناس من أجل شواطئها المميزة، أو فتنة مدنها وأريافها، أو غنى ثقافتها وفنونها. وقد تمكنت بعض البلدان من إنشاء بنية تحتية سياحية من الصفر، فصنعت مشاهد طبيعية وطرزاً معماريا وخدمات فندقية وعروضاً فنية وكل ما يلزم حتى يجد الزائر ما يجذبه ويقبل دفع كلفته.
وليس الأردن في حاجة إلى بناء السياحة من الصفر، لكنه في حاجة إلى تحديث هذه البنية باستمرار وتطويرها ومعالجة نواقصها. ولن يكون أي جهد تخطيطي أو إنفاق أو تشجيع أو إعفاءات لقطاع السياسة ترفاً. إنه استثمار يجب أن يعيد إلى البلد – إذا ما أُحسِنت إدارته- أكثر مما يُنفق عليه. ولا يجوز العمل على طريقة «على البركة» حين أصبحت السياحة صناعة تحمل اقتصادات دول وسوقاً شديد المنافسة. وسوف يكمن الشيطان أحياناً في التفاصيل.
من التفاصيل ألا يشعر الزائر، سواء كان سائحاً محلياً أو أجنبياً، بالغُبن. مثلاً، لا يُحسُن أن تُباع وجبة، بعد حساب كل اللوجستيات، بأربعة أو خمسة أضعاف ثمنها. وليس من المفيد، استراتيجياً، بيع قطعة تراثية تذكارية للسائح بربح فاحش، باعتبار أن السائح فرصة جاءت على قدميها ويجب حلبُها. سوف يشيع هذا السائح أينما ذهب قصة عن الاستغلال. وعلى سبيل المثال، شارك أحد المعارف ملاحظة عن بلد سياحي في الإقليم، قال فيها إن ذلك البلد أتقن البنية التحتية، لكنه أهمل ثقافة الناس. وقد تقاضى منه سائق سيارة أجرة في رحلة العودة من أحد الأماكن ثلاثة أضعاف ما دفعه في رحلة الذهاب، مع أن السائقين استخدما المسار نفسه وتحت ظروف سير شبه متطابقة. وهكذا، إذا شاع أن الناس في أحد البلدان استغلاليون، أو أن الخدمات السياحية تتقاضى أكثر من قيمة الخدمة فسوف يكون ذلك خسارة صرفة للبلد.
الدول التي تريد الاستفادة من السياحة تعلِّم شعبها ثقافة السياحة التي تتجلى في حُسن الضيافة والتعاون مع الضيوف وتعزيز إحساسهم بالاطمئنان. وينطبق ذلك على الزوار الداخليين والخارجيين. وأتذكر دائماً حكاية سائحَين عجوزين التقيت بهما، تقاضت منهما محطة بنزين ثمن ملء خزان سيارتهما السياحية، فقط ليضيء مصباح فراغ البنزين لدى وصولهما فندقهما البعيد بضعة كيلومترات. كان ذلك مخجلاً وأساءت سرقة بضعة دنانير إلى كل الأردنيين.
ولا يجوز تأخير السياح في المطارات والمعابر الحدودية بلا مبرر. ويجب أن يشعروا منذ تلك اللحظات الأولى بأن زيارتهم ستكون مسيرة والمكتوب يُقرأ من عنوانه. وحين يزورون الأماكن يجب ألا يجدوا فيها منغصات قد تبدو جانبية، لكنها بالغة الأهمية. لا ينبغي أن يكون هناك نقص في المرافق الصحية الكافية والنظيفة جداً. وسوف يقول الناس الكثير عن نقص هذه الخدمات أو عدم العناية بها في الكثير من المتنزهات، وحتى المواقع الأثرية الرئيسة. لا يجب أن يُضطر الزائر إلى دخول مطعم مجاور من أجل استخدام مرافقه عندما يمكن أن يجد مرافق مناسبة في المكان الذي قصده.
وهناك أيضاً سياحة التخييم والكرفانات التي تقلل المصاريف وتشجع على التجوال. وهي تحتاج إلى أماكن مخصصة ومخدومة ومحاطة بالخدمات القريبة. وفي النهاية سيستفيد البقال وبائع الملابس والمقهى والمطعم والسائق والجميع من نهضة السياحة، بالإضافة إلى المشتغلين المباشرين في القطاع ويكسبون منه رزقهم كما ينبغي. والأساس باختصار، الكسب المعقول بلا طمع لأنه أفضل من اللاعمل.



التعليقات حالياً متوقفة من الموقع